لندن – “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعدته إريكا سولومون قالت فيه إن الدول العربية التي أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل تنظر إلى الهجوم على غزة وضرب قطر كعلامات تهديد محتملة على أمنها القومي.
وأشارت إلى أن الدول العربية التي أقامت علاقات مع إسرائيل، تعاملت وعلى مدى العامين الماضيين مع حرب غزة كأزمة سياسية، وحافظت على اتصالاتها رغم إحباطاتها المتصاعدة.
لكن الهجمات الإسرائيلية على قطر ومدينة غزة، في غضون أسبوع واحد، جعلت بعض هذه الدول تتساءل عما إذا كان أمنها معرضا للخطر أيضا.
فقد أدانت دول الشرق الأوسط قاطبة هجوم إسرائيل في 9 أيلول/سبتمبر على قادة حماس في العاصمة القطرية، الدوحة. وتعد قطر، الدولة الخليجية الحليف القوي للولايات المتحدة، وقد لعبت دورا محوريا في محاولة التوسط في اتفاق سلام لإنهاء حرب غزة.
أدانت دول الشرق الأوسط قاطبة هجوم إسرائيل في 9 أيلول/سبتمبر على قادة حماس في العاصمة القطرية
ونقلت الصحيفة عن إتش إيه هيلير، خبير شؤون الشرق الأوسط، في المعهد الملكي للدراسات المتحدة في لندن ومركز التقدم الأمريكي بواشنطن قوله: “بالنسبة لمصر والأردن وتركيا، سيكون من الحماقة ألا تشعر بالقلق من احتمال وقوع هجمات على بلادهم”.
وأعقب الهجوم على قطر غزو بري الأسبوع الماضي لمدينة غزة المكتظة بالسكان، مما دفع مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى الفرار إلى جنوب غزة. وقالت إسرائيل بأنها هاجمت قطر في إطار سياستها القاضية بعدم توفير ملاذ آمن لحماس، بعد أن قاد مسلحوها هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 على إسرائيل والذي أشعل فتيل حرب غزة. وأضافت أنها تواصل هجومها على مدينة غزة لاجتثاث حماس من آخر معاقلها في القطاع.
وقد جاءت بعض ردود الفعل الأكثر غضبا على هذه التطورات من مصر، أول دولة عربية توقع معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1979. ومثل قطر، توسطت مصر أيضا في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة. وقال محللون إن الهجوم على الدوحة أثار تساؤلات حول ما إذا كانت مصر أيضا عرضة للضربات الإسرائيلية، وما إذا كانت أي دولة في المنطقة مستثناة من الهجمات.
وفي القمة الإقليمية الطارئة التي عقدت في الدوحة الأسبوع الماضي، وصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إسرائيل بـ”العدو”. وقال ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، بأن هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها رئيس مصري هذه الكلمة منذ بدء عملية السلام مع إسرائيل أواخر سبعينيات القرن الماضي. وأضاف أن هذا الاختيار كان مقصودا. وقال رشوان لبرنامج “ستوديو إكسترا” التلفزيوني المصري: “أمننا القومي مهدد، ولا يمكن لأحد تهديده إلا العدو”.
وفي الأسبوع الماضي، مع تقدم القوات الإسرائيلية نحو مدينة غزة، حيث لا يزال مئات الفلسطينيين يحتمون هناك، حذرت وزارة الخارجية المصرية من “مخاطر كارثية”. ووصفت العملية بأنها “مرحلة جديدة من الفوضى نتيجة التهور الإسرائيلي والغطرسة المفرطة”. ومثل معظم أنحاء العالم العربي، كان المصريون غاضبين بالفعل من الحرب التي أودت بحياة عشرات الآلاف من الفلسطينيين. وتشترك مصر في حدودها مع جنوب غزة في شبه جزيرة سيناء.
ويخشى المسؤولون المصريون من أن يؤدي التصعيد الأخير في الحرب، الذي لم يترك للناس أي مكان تقريبا يفرون إليه، إلى خلق ضغوط على حدودهم من جانب الفلسطينيين اليائسين الراغبين في الفرار. وقد عبرت مصر عن مخاوفها من هروب جماعي ولعدة أسباب، منها أن المسؤولين المصريين لا يريدون أن يتهموا بالمساعدة في تشريد الفلسطينيين من وطنهم. كما ولا تقل المخاطر الأمنية شأنا، فإذا تمكن مسلحو حماس من عبور الحدود مع اللاجئين، فقد يؤدي ذلك إلى هجوم إسرائيلي على الأراضي المصرية. مع أن مصر استقبلت ما لا يقل عن 100,000 نازح وصلوا للعلاج أو خرجوا من غزة خلال الحرب، لكنها تعاني بالفعل من ضائقة اقتصادية وتخشى العبء الإضافي لاستقبال أعداد كبيرة من اللاجئين الإضافيين.
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن إسرائيل أعربت لواشنطن عن مخاوفها بشأن حشود مصرية لقواتها العسكرية في شبه جزيرة سيناء. لم تؤكد الحكومة المصرية أو تنف هذا الحشد، ولم تتمكن صحيفة “نيويورك تايمز” من التحقق منه بشكل مستقل. ونقلت الصحيفة عن يحيى كدواني عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب المصري، قوله إن الإجراءات، إن حصلت فستكون بمثابة تحذير. وقال إن تهجير الفلسطينيين “خط أحمر” و”ستتخذ مصر موقفا إذا حدث ذلك”.
أفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن إسرائيل أعربت لواشنطن عن مخاوفها بشأن حشود مصرية لقواتها العسكرية في شبه جزيرة سيناء
ويعتبر الأردن دولة عربية أخرى تربطها علاقة سلام طويلة الأمد مع إسرائيل، وتراقب أيضا تصرفات إسرائيل بقلق. فالأردن يشترك في حدود مع الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، حيث يعيش ما يقرب من ثلاثة ملايين فلسطيني.
ومع اعتراف المزيد من الدول بدولة فلسطينية ردا على حرب غزة، كثفت إسرائيل تهديداتها بضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية. ويخشى الأردن من أن تحاول إسرائيل بعد ذلك دفع الفلسطينيين عبر حدودها مع الضفة الغربية، وفقا لهيلير، خبير الأمن في الشرق الأوسط.
كما تدرس دول الخليج خياراتها في ضوء الهجمات الإسرائيلية الأخيرة.
فعلى مدى عقود، اعتبرت إيران الخطر الرئيسي في الشرق الأوسط، وفي السنوات الأخيرة، وجدت أرضية مشتركة مع إسرائيل ضدها.
وفي عام 2020، كانت الإمارات العربية المتحدة والبحرين، وهما دولتان خليجيتان، من بين العديد من الدول العربية التي أقامت علاقات مع إسرائيل. إلا أن المزاج يتغير بشكل سريع كما يقول هيلير: “الآن ينظرون إلى إسرائيل على أنها أكبر تهديد للخليج والأمن الإقليمي”.
ولم تقم قطر علاقات دبلوماسية مع إسرائيل قط، لكنها حافظت على علاقات ودية، شملت زيارات مسؤولين إسرائيليين خلال مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة. لكن هذه العلاقات تدهورت مع الهجوم على الدوحة.
وتتخذ بعض دول الخليج خطوات تتجاوز الإدانات. ففي يوم الأربعاء، أعلنت المملكة العربية السعودية عن “اتفاقية دفاع استراتيجي” جديدة مع باكستان، الدولة النووية، معلنةً أن أي هجوم على دولة هو هجوم على كليهما. وقال محللون إن الاتفاقية تعكس، جزئيا، شعورا متزايدا بالإحباط تجاه الولايات المتحدة لعدم بذلها المزيد من الجهود لحماية الخليج.
وفي مقال نُشر على موقعه الإلكتروني الأسبوع الماضي، قال أندرياس كريغ، خبير شؤون الشرق الأوسط في كلية كينغز كوليدج بلندن، إن المنطقة بأكملها معرضة الآن لخطر الانزلاق إلى صراع أوسع نطاقا لم نشهده منذ حقبة الحروب العربية الإسرائيلية من عام 1948 إلى عام 1973. في العقود التي تلت ذلك، أدى تطبيع إسرائيل للعلاقات مع عدد من الدول العربية إلى تضييق نطاق الصراع ليتحول إلى صراع إسرائيلي-فلسطيني. وقال إنه مع كل تصعيد إسرائيلي الآن، يتزايد خطر جرّ الدول العربية إلى صراع أوسع. وكتب: “الجماهير العربية، التي أججتها أحداث غزة بالفعل، ترى الآن أن إسرائيل تشكل تهديدا ملموسا للعرب جميعا”.