حصلت الاغتيالات بالتزامن مع الهجمات الإسرائيلية والأميركية على ثلاثة مواقع نووية إيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان، وأظهرت التقييمات الاستخباراتية أن القنابل الأميركية الخارقة للتحصينات ربما دمرت منشأة فوردو بالكامل وألحقت أضراراً جسيمة بالموقعين الآخرين، مما قد يؤدي إلى تأخير برنامج التخصيب اليورانيوم الإيراني لأعوام.
نقل تقرير لصحيفة "واشنطن فري بيكون" عن آخر صادر عن "معهد العلوم والأمن الدولي" أن إسرائيل اغتالت 19 من كبار خبراء البرنامج النووي للنظام الإيراني خلال الحرب التي استمرت 12 يوماً، وبحسب التقرير فإن هذه العملية قضت على عقود من الخبرة الفنية والمعرفة التخصصية الإيرانية، وهو إنجاز لم يكن من الممكن تحقيقه عبر الضربات الجوية فقط.
وأضاف المعهد أن جهد إسرائيل هذه المرة مختلف وأن عمليات الاغتيال وجهت ضربة جدية لقدرة النظام الإيراني على إنتاج سلاح نووي، بسبب تصفية الخبراء الرئيسين والمديرين من ذوي الخبرة، مما يجعل تعويضهم صعباً ويستغرق وقتاً طويلاً.
وجرت هذه الاغتيالات بالتزامن مع الهجمات الإسرائيلية والأميركية على ثلاثة مواقع نووية إيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان، وعلى رغم أن التقييمات الاستخباراتية الأولية الأميركية وصفت الأضرار بأنها متوسطة، فإن التقييمات اللاحقة أظهرت أن القنابل الأميركية الخارقة للتحصينات ربما دمرت منشأة فوردو بالكامل وألحقت أضراراً جسيمة بالموقعين الآخرين، مما قد يؤدي إلى تأخير برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني لأعوام، ومع ذلك يبدو أن الخسائر البشرية كانت أكثر أهمية من الأضرار المادية، فالقلق الرئيس في الوقت الراهن يتمثل فيما إذا كان النظام الإيراني يمتلك الكوادر المتخصصة اللازمة لإعادة بناء هذه المنشآت واستئناف الأنشطة العلمية المعقدة المرتبطة بصناعة القنبلة النووية، إذ يظهر تقييم المعهد أن إيران تواجه معركة صعبة وخصوصاً في ظل استمرار التهديدات الإسرائيلية ضد من بقي من الخبراء النوويين.
وأكد التقرير أن البرنامج النووي الإيراني يتمتع بدرجة عالية من السرية والتصنيف حد أن المعلومات الحساسة غالباً ما تكون محصورة في أذهان عدد محدود من الأفراد الأساسيين، مشيراً إلى أن من سيتولون العمل على تصنيع سلاح نووي في المستقبل سيكونون أقل اطلاعاً وخبرة، وسيتعرضون في الوقت ذاته لأخطار أكبر، مما يجعل عملية تصنيع السلاح النووي أكثر تعقيداً وتحدياً من أي وقت مضى.
وكان الخبراء الذين اغتيلوا يملكون خبرات دقيقة في مجالات حيوية مثل الرؤوس الحربية النووية ومحاكاة الأسلحة ومحفزات النيوترون والمواد المتفجرة وتكنولوجيا الصواريخ، وهي مجالات تعد ضرورية لصناعة سلاح نووي قابل للإطلاق، كما كان بعضهم متخصصاً في الاختبارات التشخيصية للأسلحة النووية وأنظمة الصواريخ الباليستية، وكان متوسط أعمار هؤلاء العلماء نحو 60 سنة، مما يشير إلى أن إسرائيل استهدفت أكثر الكوادر العلمية خبرة في النظام الإيراني، ويذكر أن ثلاثة منهم في الأقل حصلوا على درجة الدكتوراه من جامعات روسية، في حين نال آخرون شهاداتهم من داخل إيران.ومن بين القتلى الفيزيائي النووي وأحد الشخصيات المحورية في برنامج الأسلحة النووية للنظام الإيراني، فريدون عباسي دواني الذي ولد عام 1958 والتحق بالحرس الثوري الإيراني بعد انتصار الثورة عام 1979، ومع بدء النظام الإيراني البرنامج السري للأسلحة النووية في تسعينيات القرن الماضي، عمل فريدون عباسي على تصميم وتطوير واختبار المشغل النتروني المصنوع من "دوتريد اليورانيوم"، وهو جهاز ينتج النيوترونات عبر الاندماج بين ذرات الديوتيريوم، ويوضع في قلب اليورانيوم عالي التخصيب المستخدم في السلاح ليطلق في اللحظة المناسبة دفعة من النيوترونات تنتج التفاعل التسلسلي النووي، وفي عام 2012 فرضت الولايات المتحدة عقوبات على عباسي بسبب أنشطته في مجال التكنولوجيا النووية.
وكذلك فأحد الخبراء البارزين هو محمد مهدی طهرانجي الذي أدى دوراً محورياً في البرنامج السري للأسلحة النووية للنظام الإيراني، المعروف باسم "مشروع آماد"، وهو المشروع الذي أوقف بعد الكشف عنه عام 2003، وكان طهرانجي يشغل منصب رئيس جامعة "آزاد الإسلامية" ويشكل حلقة وصل مهمة بين البرامج النووية المدنية والعسكرية للنظام الإيراني، كما أدى دوراً مهماً في تأمين المواد والمعدات المطلوبة من خارج البلاد، وكان لعباسي وطهرانجي دور بارز في تشكيل جهود تسليح النظام الإيراني بعد "مشروع آماد"، إذ تعاونا معاً لإخفاء الجوانب العسكرية للنشاطات النووية وتضليل المجتمع الدولي.
كما استهدفت إسرائيل علي باكوئي كتريمي، وهو فرد متخصص في تطوير أنظمة إطلاق متعددة النقاط وتصميم الأسلحة النووية والتقنيات الانفجارية، ومن بين الخبراء الرئيسين الآخرين كذلك عبدالحميد مينوتشهر، وكان يمتلك خبرة تمتد لعقود في مجالات فيزياء المفاعلات والمحاكاة النووية والوقود النووي المتقدم، وفي الوقت نفسه يعد أحمد رضا ذو الفقاري درياني، أحد القلائل من المتخصصين الإيرانيين في حساب قوة انفجار القنبلة النووية، ويقال إن معرفته يصعب تعويضها.
وتشير التقارير إلى أن إسرائيل قامت خلال فترة الحرب بتهديد عدد من القادة المتخصصين عبر مكالمات هاتفية ومنصات التواصل الاجتماعي، محذرة إياهم من أنهم سيكونون هدفاً للهجوم مع عائلاتهم إذا ما لم يغادروا البلاد، وبحسب تقرير "معهد العلوم والأمن الدولي" فإن إسرائيل، وفي مسعى واضح إلى منع إيران من استعادة قدراتها أو استخدام كوادر جديدة، قامت خلال الحرب بتهديد كثير من المتخصصين والخبراء عبر وسائل التواصل الاجتماعي ضمن حملة يرجح أنها لا تزال مستمرة، ووجهت تحذيرات صريحة للمتخصصين والخبراء مفادها أن المشاركة في برنامج الأسلحة النووية تعني الموت المحتم، كما عرضت مكافآت وضمانات أمنية لمن يقدم معلومات حول جهود النظام الإيراني لإعادة بناء برنامجه النووي، ولم تؤد هذه الحملة من الاغتيالات والعمليات التخريبية فقط إلى تصفية المسؤولين العلميين المؤثرين وحسب، بل نشرت الخوف وانعدام الثقة في صفوف الكوادر الباقية، واليوم يدرك أي خبير إيراني يفكر في التعاون مع برنامج النظام النووي أن حياته وحياة عائلته في خطر دائم، وأن أي زميل مقرب قد يكون عميلاً أو مخبراً.
وإضافة إلى تصفية الكوادر البشرية فقد دمرت إسرائيل وثائق حساسة من بينها نسخة من أرشيف البرنامج النووي الإيراني كانت محفوظة في قبو تابع لمنظمة الأبحاث والابتكار الدفاعي (سبند) التابع لوزارة الدفاع الإيرانية، كما ألحقت هجمات إسرائيلية أخرى أضراراً جسيمة بعدد من منشآت تطوير وإنتاج الأسلحة النووية التي يعتقد أنها كانت تحوي معدات وبيانات بالغة الحساسية، وقد أدت العمليات الإسرائيلية إلى تعطيل البرنامج النووي الإيراني بشدة وإلى الحد الذي قد يستغرق معه إصلاحه وإعادة بنائه أعواماً عدة، إن كان ذلك ممكناً أصلاً.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"