الوثيقة | مشاهدة الموضوع - إسرائيل تتمسك بتغيير ديموغرافي في النقب
تغيير حجم الخط     

إسرائيل تتمسك بتغيير ديموغرافي في النقب

مشاركة » الخميس يوليو 03, 2025 6:01 am

4.jpg
 
المكلف بـ"سلطة توطين البدو"، الذي يشغل منصب وزير الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي، أخذ على عاتقه تفكيك "القنبلة الديموغرافية" في النقب، بحسب وصفه، من خلال تهجير عرب من بلداتهم لإقامة بلدات استيطانية، بدعوى أن إسرائيل في غضون 25 عاماً ستخسر النقب وسيصل عددهم إلى ما بين نصف مليون إلى 700 ألف عربي فلسطيني.

على رغم إسقاط "مخطط برافر" شعبياً عام 2013 بفعل المقاومة الشعبية لسكان النقب جنوب إسرائيل، الذين رفضوا تهجير سكان عشرات القرى وتجميعهم في "بلديات تركيز"، بناء على توصيات لجنة حكومية برئاسة نائب رئيس مجلس الأمن القومي السابق إيوهد برافر، يعود "مخطط شيكلي" بصيغة أكثر خطراً، الذي يمنح الشرطة والسلطات الإسرائيلية أدوات أوسع لتنفيذ التهجير ومصادرة الأراضي بصورة أسرع.

المكلف بـ"سلطة توطين البدو"، الذي يشغل منصب وزير الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي، أخذ على عاتقه تفكيك "القنبلة الديموغرافية" في النقب، بحسب وصفه، من خلال تهجير عرب من بلداتهم لإقامة بلدات استيطانية، بدعوى أن إسرائيل في غضون 25 سنة ستخسر النقب وسيصل عددهم إلى ما بين نصف مليون إلى 700 ألف عربي فلسطيني، إذ تبلغ الكثافة السكانية في المناطق العربية 371.5 نسمة لكل كيلومتر مربع، بينما في المناطق الإسرائيلية تبلغ 21.4 نسمة لكل كيلو متر مربع.

عام 1948، تم تهجير معظم البدو الفلسطينيين سكان النقب الأصليين، ولم يتبق من نحو ما يزيد على 92 ألفاً سوى 11 ألف بدوي فقط، وعلى رغم الظروف القاسية التي فرضت عليهم ضاعفوا أنفسهم منذ النكبة حتى الآن 22 مرة، وأصبح عددهم 370 ألف نسمة، جرى حصر 60 في المئة منهم في سبع بلدات و11 قرية معترف بها، فيما ظل 40 في المئة منهم في 35 قرية ترفض السلطات الإسرائيلية الاعتراف بها.

وإلى جانب حرمانهم من حقوقهم الأساسية كالمياه والكهرباء والنقل والصحة والتعليم، يفتقر سكان تلك القرى للبنى التحتية والخدمات الأساسية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة بين سكانها، ويواجهون تهديداً مستمراً بالإخلاء أو التهجير القسري وعمليات الهدم، ووفقاً للمجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب، بلغ عدد المنازل التي هدمت في البلدات العربية بين عامي 2015 و2020 نحو 10 آلاف مبنى.

فيما هدمت السلطات الإسرائيلية عام 2023، أكثر من 3283 منزلاً بزيادة نحو 27 في المئة مقارنة بعام 2022 الذي شهد هدم 2850 منزلاً، أي بفارق 433 منزلاً، وفي عام 2024، شهدت المنطقة هدماً متسارعاً لنحو 4911 منزلاً، مما يدلل بحسب مراقبين على أن الحكومة الإسرائيلية ماضية في سياسة الهدم من دون أية نية للتسوية.
5.jpg
 
مرحلة أولى

بإشراف شيكلي سينفذ المخطط على مرحلتين، ترتكز الأولى على مصادرة نحو 800 مليون متر مربع من أراضي قرى النقب المعترف بها التي يقطنها أكثر من 300 ألف عربي، وتجميع أكثر من 150 ألفاً من سكان القرى غير المعترف بعد تهجيرهم من قراهم ونقلهم بصورة سريعة إلى "قرى قانونية" بعد هدم منازلهم وإخلاء أراضيهم، وتسكينهم موقتاً إلى حين بناء مساكن دائمة.

وتبدأ هذه المرحلة التجريبية في 11 قرية يقطنها أكثر من 8 آلاف نسمة، كما أعد شيكلي ضمن الخطة مساراً خاصاً لمنع تعدد الزوجات في النقب والحد من تكاثر العرب، إلى جانب خطة لتعزيز وحدة "يوآف" الشرطية التابعة لما يسمى "سلطة تطوير النقب" المسؤولة عن تنفيذ عمليات هدم المنازل في البلدات العربية بالنقب، بموازنة قدرها 18 مليون شيكل (5 ملايين دولار)، كما ضمت الخطة التي عرضها شيكلي إجراء أعمال تطوير في مناطق التجميع وتحويل مدينة رهط في النقب لمركز تطوير ذاتي خارجاً عن "سلطة تطوير النقب".

ووفقاً لسياسة شيكلي غير المسبوقة، يمنح أصحاب دعاوى الملكية للأراضي المصادرة مزيجاً من الحوافز والعقوبات، ويمهلون فترة قصيرة لإبرام "تسويات" مع السلطات الإسرائيلية، يحصلون بموجبها على جزء من الأرض وتعويض مالي، شرط إخلائهم لأراضيهم وتخصيصها للاستيطان اليهودي أو تجميع وإسكان بدو آخرين جرى تهجيرهم من قراهم، وفي حال رفضهم فستقلص التعويضات تدريجاً وصولاً إلى شطب الدعوة وإخراج مسطحات الأرض التي يقطن فوقها من مخطط البلدة، مما يفقدها أية قيمة قانونية.

وكانت وزيرة حماية البيئة الإسرائيلية عيديت سيلمان بينت أن المخططات لا تفي مع متطلبات التطوير في البنية التحتية، خصوصاً في ما يتعلق بتصريف مياه الصرف الصحي في الأحياء التي سيجري تطويرها.


تسجيل الأراضي

لعقود طويلة، امتلك البدو أراضي في النقب بموجب نظام "تقليدي" بالوراثة، من دون أي مستند خطي، إلى أن سنت الدولة العثمانية في عام 1858 قانوناً يقضي بتسجيل الأراضي رسمياً بأسماء أصحابها، إلا أن البدو لم يسجلوا أياً من تلك الأراضي، بذريعة الخوف من دفع الضرائب أو الخدمة في الجيش.

وعلى رغم أن حكومة الانتداب البريطاني في عام 1921 كررت دعوتها لسكان النقب بضرورة التسجيل بقيت أراضيهم غير مسجلة، وهو ما سهل على إسرائيل بموجب قانون امتلاك الأراضي لعام 1953 مصادرة معظم أراضي النقب، إذ ينص على أن أية أراض لم تكن بملكية أصحابها في أبريل (نيسان) 1952 يمكن تسجيلها تحت بند "أملاك الدولة"، وبعد عقد تقريباً وضعت السلطات الإسرائيلية مخططاً لتطوير النقب، ضمت من خلاله معظم أراضي البدو واعتبرت كل ما عليها من منازل ومنشآت غير قانونية.

وخلال ستينيات القرن الماضي، قررت الحكومة توطين البدو، وكانت "تل السبع" أول مدينة تأسست لهم، ثم تلتها مدينة "رهط"، وبعد سنوات تم بناء "كسيف" و"عرعرة" و"شقيب السلام" و"حورة" و"لقية".

وقال عضو لجنة التوجيه العليا لعرب النقب جمعة الزبارقة إن "خطة شيكلي خطرة جداً وتهدد عشرات الآلاف من سكان النقب، وترمي لتجميع أكبر عدد ممكن من الأهالي في أصغر مساحة ممكنة، وإقامة بلدات استيطانية مكانهم"، ويشغل البدو اليوم 3.5 في المئة فقط من مساحة النقب الكلية التي تقدر مساحتها بأكثر من 12.5 ألف كيلومتر مربع.


تسهيلات متزايدة

وفي ما يخوض أكثر من 300 ألف بدوي معركة يومية للبقاء في قراهم مسلوبة الاعتراف، تقوم الحكومة الإسرائيلية بتشجيع الشباب والنخب الأمنية والعسكرية للاستيطان في النقب، وتمنحهم أراضي مجانية وتحفيزات وامتيازات وتسهيلات مالية وضريبية، وبعد أن رصدت الحكومة الإسرائيلية موازنة قيمتها 25 مليون دولار للشروع في تنفيذ مخطط "طريق النبيذ"، الذي يقضي بإقامة 100 مزرعة جديدة لليهود وتخصيص مساحة مقدارها 80 ألف متر مربع مجاناً لكل عائلة يهودية توافق على الاستيطان في النقب، تشرع الحكومة الإسرائيلية في إقامة 13 مستوطنة وبلدة زراعية ومدينتين بصحراء النقب، وستقام للمرة الأولى، وبدعم من "دائرة أراضي إسرائيل" مدينة لليهود الحريديم (المتدينين) بالنقب باسم "كسيف".

غابات "كاكال"

احتجاجات السكان البدو التي تصاعدت وتطورت إلى اشتباكات عنيفة، لم تتوقف بين "مخططي برافر وشيكلي"، إذ نفذ الصندوق القومي اليهودي (كاكال)، الذي يعرف أيضاً باسم "كيرين كاييمت ليسرائيل" شبه الحكومي، ويشرف على 13 في المئة من أراضي إسرائيل، أعمال غرس أشجار في النقب ضمن خطة واسعة النطاق تبلغ كلفتها 150 مليون شيكل (48 مليون دولار) من سلطة الأراضي الإسرائيلية التي ترتكز على تشجير مساحات كبيرة من الأراضي المملوكة ملكية عامة، بما في ذلك المناطق السكنية.

وبينما يقول "كاكال" إنها تزرع الأشجار في أراضي الدولة، ويرى دعاة حماية البيئة أن تشجير الأراضي العامة الإسرائيلية هو هدف بيئي هام، يقول سكان النقب إنها سياسية لإبعاد البدو من الأرض، كيف لا وقد أقامت إسرائيل في صحراء النقب أهم مشاريعها الاستراتيجية، وعلى رأسها مفاعل "ديمونا" النووي وقواعد عسكرية وأمنية وقواعد جوية ومراكز التدريب والكليات العسكرية وسجون.
 

العودة إلى تقارير