في اليوم الثالث من المواجهة بدأت تتضح عدة سيناريوهات محتملة للحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل، ولكل سيناريو منها ظروف موضوعية قد تقود إليه أو تفض الدول من حوله، الأمر يتوقف أولاً على الاتصالات الدولية والإقليمية المعنية وثانياً على نيات وخطط المتخاصمين.
خلال اليوم الثالث من الحرب، أطلق الجيش الإسرائيلي أول تحذير يدعو المدنيين الإيرانيين إلى الابتعاد من منشآت تصنيع الأسلحة وما يرتبط بها، لأنها باتت أهدافاً محتملة لهجماته المقبلة. واعتدنا على تحذيرات مشابهة من تل أبيب في لبنان وغزة يستتبعها قصف وتبوح بأن الحرب يمكن أن تمتد لأجل غير محدد وستتوسع لرقعة أكبر.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي اليوم الأحد إن بلاده لا يزال لديها قائمة كبيرة من الأهداف في إيران لم تضربها بعد، مُحجماً عن تحديد مدة استمرار الضربات أو الإشارة إلى نوع تلك الأهداف وجغرافيتها، لكنه أكد بصورة غير مباشرة أن الحرب بين الدولتين ربما تستمر لفترة أطول من المتوقع في تحليلات المراقبين والمحللين.
واستمرار الحرب لفترة طويلة هو واحد من السيناريوهات المطروحة بقوة منذ اللحظة الأولى لأن إسرائيل تقول إن هجومها سيستمر حتى "زوال التهديدات الإيرانية النووية والباليستية"، وطهران تصر على أن ردها سيتواصل حتى "تتراجع تل أبيب عن عدوانها"، وعلى النقيض من هذا السيناريو يأتي توقف النيران بصورة سريعة.
حسم الأمر تجاه الخيارين أو غيرهما يعتمد بصورة أساس على الاتصالات الدولية بين طرفي الخصومة والجسور التي تحاول دول عدة بناءها لإنهاء الأزمة، وبغض النظر عما يدور في الأروقة المظلمة الآن من جهود حثيثة داخل المنطقة أو خارجها سعياً لإنهاء القتال، يجدر التوقف عند كل السيناريوهات المحتملة لاستمراره.
المضي في المواجهة من شأنه أن يوسع رقعة الحرب بين الطرفين، ليس استنتاجاً وإنما بناءً على تصريحات الطرفين وواقع الميدان خلال اليومين الماضيين، أما الغاية من هذا التوسع فهي تختلف بين تل أبيب وطهران في نقاط وتلتقي عند أخرى، و"الغاية تبرر الوسيلة" كما عرف دائماً عن الدول في الصراعات والمعارك.دعم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لإسرائيل في صد الصواريخ والمسيرات الإيرانية يغضب طهران، وفيما اعترفت واشنطن بهذه المساعدة لا تزال لندن وباريس تحجمان عن توضيح حقيقة الأمر على رغم تعاطفهما المعروف مع تل أبيب، ووجود سابقة لهما في هذا الصدد خلال ضربات إيرانية استهدفت تل أبيب مرتين.
الرد الإيراني على هذه المساعدة إما أن يكون باستهداف القواعد العسكرية للدول الثلاث في المنطقة، وهنا ندخل في سيناريو حرب أوسع تشمل دولاً عربية وإقليمية، أو أن وكلاء طهران في العراق ولبنان واليمن يشاركون في الحرب للحد من قدرة إسرائيل وحلفائها على إضعاف الهجمات الإيرانية، ومنعها من تحقيق أهدافها وغاياتها.
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قال اليوم إن توسيع نطاق الحرب خطأ استراتيجي ستتجنبه بلاده، وهو تراجع عن وعيد أطلقته قيادة طهران العسكرية خلال اليومين الماضيين، وربما يكون السبب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن بلاده سترد بقوة شديدة في حال استهداف قواعدها وحلفائها داخل المنطقة.
وانخراط الولايات المتحدة في الحرب قد يستتبع اشتراك بريطانيا، وهو احتمال أعدت لندن العدة له ونقلت طائرات وقطعاً عسكرية مختلفة لها إلى المنطقة للتعامل مع مقتضى الأمر، كما قال رئيس الوزراء كير ستارمر وهو في طريقه للمشاركة في قمة مجموعة السبع التي ستعقد في منطقة "كاناناسكس" الجبلية بمقاطعة ألبرتا الكندية.
في احتمال انخراط ميليشيات لبنان واليمن وغزة إلى جانب راعيها الإيراني في الحرب، فقد يلحق الضرر وليس الفائدة بطهران، فقوة تلك الميليشيات تراجعت كثيراً بعد نحو عامين من المواجهة مع إسرائيل خسرت خلالها كثيراً من رصيدها التسليحي والسياسي والاقتصادي والبشري، بدءاً من القادة ووصولاً للقاعدة الشعبية، بالتالي لن تحدث مشاركتها فارقاً وإنما ستكون مبرراً لمشاركة حلفاء تل أبيب في الحرب.
GettyImages-2177490341-scaled.jpg
وزير الخارجية الإيراني يقول إن توسع الحرب إلى الخليج خطأ استراتيجي (غيتي)
صحيح أن ميليشيات العراق المؤيدة لإيران لا تزال سليمة ولكن مشاركتها أيضاً لن تحدث اختلافاً في مسار الأحداث، أولاً لأن أميركا أخذت احتياطات مسبقة في سفارتها ومعسكراتها هناك، وثانياً لأن الطبقة السياسية في بغداد منقسمة في هذا الشأن ويبدو أن القرار بعدم التدخل هو الأقوى، خشية حدوث تداعيات تفوق منفعة طهران.
الولايات المتحدة وحدها تمتلك القاذفات والقنابل الخارقة لتحصينات المنشآت النووية الإيرانية وبخاصة منشأة "فوردو"، وانضمامها بمفردها أو ضمن تحالف غربي للحرب سيكون لغايتين، إما إنهاء القدرات التسليحية والنووية لطهران إلى الأبد، أو تغيير النظام السياسي بأكمله على غرار ما شهدته دول عديدة بعيدة وقريبة من إيران.
وتغيير نظام طهران هو السيناريو الذي يفضله رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، ويسعى نحوه من خلال توسيع الهجمات على إيران واستهداف تسليحها واقتصادها وبرنامجها النووي، ومن خلال حث الحلفاء بصورة مباشرة أو غير مباشرة على الانخراط في الحرب إلى جانب بلاده، وإنهاء الأمر خلال وقت أقصر وضرر أقل.
مشكلة نتنياهو في هذا السيناريو أن تطول الحرب حتى ينقلب الرأي العام ضده، وتصبح خسارة بلاده البشرية والاقتصادية فيها أكثر من قدرته وحكومته على التحمل، وهو احتمال يكبر مع كل صاروخ إيراني يصيب هدفه في إسرائيل، ومع كل ضحية تسقط جراء قذيفة تطلقها طهران وتفشل تل أبيب وحلفاؤها في اعتراضها.
وإلى الآن، تفضل واشنطن وعواصم غربية وعربية كثيرة إعادة طهران إلى طاولة المفاوضات النووية كسبيل لإنهاء الأزمة، وفي رأي الكاتب والصحافي الأميركي توماس فريدمان لن يستمر خيار التفاوض كثيراً، لكن أياً كانت نتيجة الحرب الراهنة فستضاف إلى تواريخ الصراعات التي أعادت تشكيل خريطة الشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الثانية، مثل أعوام 1956 و1967 و1973 و1982 و2023 والآن (2025).
وبرأي فريدمان خيار إسقاط النظام الإيراني قائم، لكن الدرسين المستخلصين في المنطقة بعد تغييرات عدة سبقت هذه الحرب منذ بداية القرن الـ21 هما، أولاً أن أنظمة مثل إيران تبدو قوية حتى تتضح حقيقة قوتها فترحل بسرعة، وثانياً أن بديل الاستبداد في الدول بعد سقوط أنظمتها لا يكون ديمقراطياً بالضرورة.