الوثيقة | مشاهدة الموضوع - “الخط الأصفر” يتحول إلى حدود غزة.. هكذا قضمت إسرائيل أرض القطاع على مدى عقود
تغيير حجم الخط     

“الخط الأصفر” يتحول إلى حدود غزة.. هكذا قضمت إسرائيل أرض القطاع على مدى عقود

مشاركة » الاثنين ديسمبر 08, 2025 7:19 pm

8.jpg
 
غزة- “القدس العربي”: بشكل سافر، كشفت إسرائيل عن مخططها العسكري الجديد، القائم على قضم أجزاء كبيرة من قطاع غزة، تمثل أكثر من نصف مساحة هذا القطاع الساحلي الضيق، ليصبح الخط الأصفر هو الحدود الجديدة للقطاع.

يعني هذا أن جميع المناطق الواقعة خلف هذا الخط الذي تواصل إسرائيل ترسيمه مناطق خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، فيما يحشر 2.4 مليون مواطن في مساحة ضيقة غالبيتها مدمرة، وتعاني أوضاعا في غاية الصعوبة، تجعل من العيش فيها أمرا شديد القسوة.

ويمثل المخطط الجديد، الذي بدا أن إسرائيل وضعت له كامل الخطط العسكرية واللوجستية، انتقالا من السيطرة المؤقتة على منطقة الخط الأصفر إلى جعلها سيطرة دائمة، بما يشكل حكما بإعدام قطاع غزة وتحويله إلى منطقة غير صالحة للحياة، وقطع جميع السبل أمام أي محاولات دولية لإعادة إعمار الكم الهائل من الدمار الذي سببته إسرائيل.

يمثل المخطط الجديد انتقالا من السيطرة المؤقتة على منطقة الخط الأصفر إلى جعلها سيطرة دائمة، بما يشكل حكما بإعدام قطاع غزة وتحويله إلى منطقة غير صالحة للحياة

وجاء ذكر “الخط الأصفر” في اتفاق وقف إطلاق النار الذي وضعته الإدارة الأمريكية وتوسطت فيه كل من مصر وقطر وتركيا، ودخل حيز التنفيذ يوم العاشر من تشرين الأول / أكتوبر الماضي، بوصفه حدودا مؤقتة للسيطرة الإسرائيلية في المرحلة الأولى من الاتفاق، على أن يتواصل الانسحاب الإسرائيلي من القطاع ويبدأ في المرحلة الثانية، حتى تعود حدود القطاع إلى ما كانت عليه قبل السابع من تشرين الأول / أكتوبر 2023.
غير أن تصريحات رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير كشفت عن مخطط الاحتلال المعتاد، وهو تحويل المؤقت إلى دائم بعد كل هجوم يستهدف الأرض الفلسطينية.

قضم تاريخي

وبالعودة إلى التاريخ، عمدت إسرائيل إلى هذا الأسلوب حين احتلت مدينة القدس والضفة الغربية، فقضمت أجزاء من أراضيهما لصالح توسيع مساحة الجزء الغربي من القدس المحتلة، ثم شرعت في بناء المستوطنات على حساب الأرض الفلسطينية، وتبع ذلك سيطرة جديدة على مناطق الأغوار، ولم يكن مشروع الجدار الفاصل آخر هذه الخطوات. فقد وضع الجدار حدودا جديدة للضفة الغربية عبر قضم مساحات واسعة لصالح السيطرة الإسرائيلية الكاملة، حيث تبين أن 85% من مناطق بنائه كانت داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وليس على الحدود الفاصلة بين الضفة الغربية والمناطق المحتلة عام 1948، وتلا ذلك مشاريع استيطانية خطيرة.

عمدت إسرائيل إلى هذا الأسلوب حين احتلت مدينة القدس والضفة الغربية

وكان الأمر جليا أيضا في قطاع غزة، فحدوده قبل السابع من تشرين الأول / أكتوبر جرى تقليصها مرات عدة. أولها عند التوصل إلى اتفاق الهدنة عام 1949، بعد أن أحكمت العصابات الصهيونية احتلالها جميع الأراضي الفلسطينية عدا الضفة الغربية وقطاع غزة. حينها جرى تقليص مساحة قطاع غزة، الذي كان يمثل نحو 1.3% من مساحة فلسطين التاريخية البالغة نحو 550 كيلومتر مربع، إلى 365 كيلومترا مربعا.

وعن ذلك قال الباحث الفلسطيني الدكتور سلمان أبو ستة إن هذا التقليص تم بموجب اتفاق مؤقت عام 1950 لإنشاء منطقة عازلة تشمل المساحة المقتطعة، والاتفاق الذي سمي “اتفاقية التعايش” نص على أنه لن يكون لها تأثير من أي نوع على بنود اتفاقية الهدنة) الأساسية.

غير أن إسرائيل حولت المؤقت إلى دائم.

ويؤكد أبو ستة في تصريحات سابقة لـ”القدس العربي” أنه لا يوجد أي مسوغ قانوني لإسرائيل لاحتلال هذه المنطقة، لأن خط الهدنة لا يشكل حدودا.
وعقب السيطرة الإسرائيلية على تلك المناطق خلافا لنص اتفاقية الهدنة الموقعة مع مصر عام 1949، أصبح طول قطاع غزة نحو 41 كيلومترا، بينما يمتد عرضه بين 6 و12 كيلومترا، لتبلغ مساحته الإجمالية 365 كيلومترا مربعا.

غير أن إسرائيل لم تتوقف عند هذا الحد، فمع اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 نفذت عمليات توغل واسعة على طول الحدود الشمالية والشرقية للقطاع، دمرت خلالها الحقول الزراعية والأشجار المثمرة بعمق يصل إلى 300 متر داخل حدود القطاع، لتعلن لاحقا أنها ضمن المنطقة العازلة، ومنعت السكان من دخولها، وبنت جدارا عازلا ملاصقا لها، وحرمت المزارعين من زراعة الأراضي المجاورة عبر نيران كثيفة، لتسجل بذلك عملية قضم جديدة من مساحة القطاع الضيق.

تحويل الخط الأصفر إلى دائم

ومنذ عام 2000 واصلت إسرائيل تدمير مختلف مناحي الحياة في مناطق الحدود، فتوغلت مرارا داخل غزة، ودمرت مطار غزة القائم شرق مدينة رفح، ثم دمرت مصانع ومساحات زراعية أخرى، وحولت المنطقة إلى ما يشبه الصحراء.

وازدادت هذه الأعمال بشكل خطير منذ السابع من تشرين الأول / أكتوبر 2023، إذ تواصل إسرائيل يوميا تدمير المناطق القريبة من الحدود، علاوة على تدمير باقي المناطق داخل غزة. كما وضعت علامات صفراء تحدد مناطق نفوذ الخط الأصفر الذي يقسم القطاع إلى قسمين. أحدهما واسع يمتد على طول الحدود الشمالية والشرقية والجنوبية ويشكل 53% من مساحة القطاع، وآخر ضيق في المنطقة الغربية يعيش فيه 2.4 مليون نسمة يفتقرون بعد الحرب إلى معظم مقومات الحياة.

إلى جانب السيطرة البرية، تفرض إسرائيل سيطرة كاملة على الحدود المائية لقطاع غزة

وإلى جانب السيطرة البرية، تفرض إسرائيل سيطرة كاملة على الحدود المائية لقطاع غزة. فقبل السابع من تشرين الأول / أكتوبر كانت تفرض مساحة ضيقة للصيد، ثم ألغت هذه المساحة بعد ذلك التاريخ وفرضت قيودا تجعل حدود البحر بالنسبة للغزيين لا تتجاوز آخر الأمواج التي تصل إلى رمال الشاطئ.

وقائع ميدانية

كان واضحا خلال الأيام الماضية أن إسرائيل تعمل على فرض وقائع جديدة داخل القطاع، بعد أن وسعت مناطق الخط الأصفر شرق مدينتي غزة وخان يونس، فقضمت أراضي جديدة وألحقتها بمناطق سيطرتها العسكرية، واستهدفت كل من يقترب من هذا الخط بالقتل.

ثم أعلن زامير صراحة أن الخط الأصفر يشكل الآن خطا حدوديا جديدا لإسرائيل، مشيرا إلى أن جيشه مستعد لسيناريو حرب مفاجئة.

أعلن زامير صراحة أن الخط الأصفر يشكل الآن خطا حدوديا جديدا لإسرائيل

وقد أدلى بتصريحاته خلال جولة وتقييم للوضع في غزة برفقة قائد المنطقة الجنوبية يانيف آسور وقادة آخرين، في مؤشر على نوايا الاحتلال ترسيخ وجوده العسكري داخل القطاع، تماشيا مع مطالب قادة أحزاب اليمين المتطرف.

ومن شأن هذا القرار التأثير على مجمل الأوضاع المعيشية في قطاع غزة، فسكان مناطق السيطرة الإسرائيلية، وهي الأكبر مساحة، والنازحون حاليا في معسكرات الخيام أو مراكز الإيواء، كانوا يترقبون بدء المرحلة الثانية للعودة إلى مناطق سكنهم، لاستصلاح أراضيهم الزراعية التي تحولت إلى أراض جرداء بسبب الحرب وحرمانها من الزراعة لعامين متتاليين.

كما يحمل المخطط أخطارا صحية كبيرة بسبب التكدس السكاني الشديد في المنطقة الغربية من القطاع، وانعكاس ذلك على مشاريع البنية التحتية وخطط التنمية التي سيغدو تنفيذها بالغ الصعوبة، إضافة إلى عرقلة جهود إعادة الإعمار.

ويكشف ذلك أن ما أعلنه زامير يأتي ضمن خطط لدفع سكان غزة إلى الهجرة. فقد بينت الإحصاءات المستندة إلى تقارير الرصد أن 80% من منازل قطاع غزة تعرضت للتدمير خلال الحرب، إضافة إلى تدمير 87% من الأراضي الزراعية، ودمار واسع طال البنى التحتية، والمستشفيات والمراكز الصحية والمدارس. كما أن العديد من مراكز الخدمات الحيوية كانت ضمن مناطق الخط الأصفر، ما يعني أن العودة إليها أو إعادة بنائها سيكون ممنوعا وفق القرار الإسرائيلي.

خطر بيئي وصحي

ويقول الدكتور أحمد هشام حلس، رئيس المعهد الوطني للتنمية والبيئة لـ “القدس العربي”، إن المساحة التي تسيطر عليها قوات الاحتلال خلف الخط الأصفر تفوق نسبة 53% المعلنة من إجمالي مساحة القطاع.

ويشير إلى أن الاستيلاء على هذه المساحة الكبيرة سيخلق أزمات خطيرة في قطاع غزة، الذي كان قبل الحرب المنطقة الأعلى كثافة سكانية في العالم، وأن معدل الكثافة السكانية سيزداد بدرجة كبيرة بموجب الخطة الإسرائيلية الجديدة بعد حشر السكان في مساحة ضيقة. ويذكر أن معدل الكثافة السكانية قبل الكشف عن مخطط الحدود الجديدة كان يبلغ 5867 نسمة لكل كيلومتر مربع.

المساحة التي تسيطر عليها قوات الاحتلال خلف الخط الأصفر تفوق نسبة 53% المعلنة من إجمالي مساحة القطاع

كما أوضح أن مناطق إقامة السكان في الجزء المتبقي من القطاع خارج الخط الأصفر تعتمد في معظمها على الخيام التي تمتد أفقيا، بينما يقيم العدد الأقل في منازل متضررة. وهذا الوضع يؤثر بشكل مباشر على البيئة والصحة العامة، إذ يؤدي حشر هذا العدد الكبير من الناس في مساحة محدودة إلى خلق بيئة خصبة لانتشار الأمراض.

ويشير حلس إلى أن المناطق المقتطعة من الشرق تتميز بتربة زراعية خصبة وكانت تمثل سلة غزة من الخضروات، ما سيحرم السكان من هذه المساحات ويجعل القطاع يعتمد كليا على المساعدات بعيدا عن الاكتفاء الذاتي.

كما يؤكد الخبير في التنمية والبيئة أن أهم المرافق الحيوية للبنية التحتية البيئية في القطاع موجودة في المناطق الشرقية، ومنها محطات الصرف الصحي ومعالجة المياه العادمة، إضافة إلى عدد كبير من المدارس والمشاريع الأخرى. ويشير إلى أن قطاع غزة كان يعتمد على 95% من آبار المياه الموجودة في الخزان الجوفي شرق القطاع. وختم بالقول: “إحنا في مصيبة، وهناك الكثير من الأرقام المفزعة”
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى تقارير

cron