خلص معهد “المجلس الأطلسي” الأميركي إلى التنبيه من أن التحركات والضغوط الأميركية المتزايدة في ملف الحشد الشعبي، تنذر بعلاقات أميركية – عراقية أكثر صعوبة وتعقيداً، وربما تقوضها في المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية، مشيراً إلى أن ما بعد الانتخابات العراقية المقبلة سيكون اختباراً حقيقياً لذلك، حيث إن واشنطن قد تلجأ إلى دعم مرشح لرئاسة الحكومة ليس مرتبطاً بفصائل الحشد.
وأشار المعهد الأميركي، في تقرير، إلى أن المكالمة الهاتفية التي أجراها مؤخراً وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، والتي أكد خلالها على ضرورة “نزع سلاح الميليشيات المدعومة من إيران التي تقوض سيادة العراق”، تمثل المرة الأولى التي يستخدم فيها مسؤول أميركي كبير صراحة كلمة “نزع السلاح” لوصف موقف واشنطن من مصير هذه الجماعات العراقية المدعومة من إيران.
واعتبر التقرير الأميركي أن البيان الذي أصدره الجانب العراقي حول هذا الاتصال الهاتفي، والطلب الذي طرحه الوزير روبيو، لم يتطرق إلى مصطلح الفصائل المسلحة، ويبدو أن البيان تضمّن انتقادات مبطنة للتدابير الأميركية “الأحادية” التي تؤثر على العراق، حيث يدعو بدلاً من ذلك إلى “الاتصال والتشاور” المسبق، وهي إشارة – على ما يبدو – إلى الإجراءات الأميركية الأخيرة التي تستهدف جماعات الحشد الشعبي.
وبعدما لفت التقرير إلى أن مطلب واشنطن جرى الإبلاغ عنه بوضوح، والذي يدعو إلى نزع سلاح فصائل الحشد الشعبي، إلا أنه قال إن هناك أسئلة رئيسية لا تزال قائمة، وهي: ما الذي يعنيه “نزع السلاح” فعلياً؟ وكيف ومتى سيتم تنفيذه؟ وما هي الفصائل داخل قوات الحشد الشعبي التي سيطالها؟ ومن سيقوم بذلك؟
وبحسب التقرير، فإن الحكومة الأميركية تسعى إلى الاستفادة من البيئة الإقليمية لما بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، من أجل تكثيف الضغط على المحور الذي تقوده إيران، بما في ذلك في العراق.
واعتبر التقرير أن “الاختبار الحقيقي لهذه الاستراتيجية سيحل خلال تشكيل الحكومة بعد الانتخابات، عندما يصبح من الواضح مدى جدية واشنطن إزاء من تصنفهم على أنهم ميليشيات مدعومة من إيران، وما هو الدور الذي ستسمح لهم بالقيام به في إطار الهياكل المدنية والعسكرية في العراق”.
وعَدّد التقرير الإجراءات الأميركية الأخيرة ضد الحشد الشعبي، بما في ذلك قرار وزارة الخارجية الأميركية في أيلول/سبتمبر، الذي صنّف أربع فصائل مسلحة كمنظمات إرهابية أجنبية، هي: حركة النجباء، وكتائب سيد الشهداء، وحركة أنصار الله الأوفياء، وكتائب الإمام علي، مشيراً إلى ارتباطات هذه الجماعات بإيران وهجماتها في مختلف أنحاء العراق – بما في ذلك ضد السفارة الأميركية وقواعد الأميركيين والتحالف.
ولفت أيضاً إلى مذكرة الرئيس دونالد ترامب الرئاسية الأخيرة حول الأمن القومي في شباط/فبراير، التي تقضي بفرض “أقصى قدر من الضغط” على طهران والجماعات المتحالفة معها.
كما أشار التقرير إلى قرار وزارة الخزانة الأميركية في 9 تشرين الأول/أكتوبر، فرض عقوبات على شركة المهندس العامة المرتبطة بالحشد الشعبي، وعلى الشبكات المالية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني بسبب “تحويل الأموال من عقود الحكومة العراقية إلى الحشد الشعبي” وتسهيل “تبييض الأموال لصالح إيران”.
وذكر التقرير أن الحكومة العراقية ردت على هذه الخطوات الأميركية بوصفها بأنها “مؤسفة للغاية ولا تتسق مع روح الصداقة والاحترام المتبادل” التي ميّزت العلاقات الثنائية بين البلدين.
وفي السياق نفسه، أشار التقرير إلى الحملة الدبلوماسية المكثفة من قبل واشنطن لمنع الحكومة العراقية وقادة الشيعة من تمرير قانون جديد حول الحشد الشعبي، بما في ذلك من خلال تحذير من جانب الوزير روبيو بأن هذا التشريع “من شأنه إضفاء الطابع المؤسسي على النفوذ الإيراني والجماعات الإرهابية المسلحة التي تقوض سيادة العراق”.
وتابع التقرير أنه في ظل ضغوط أميركية مكثفة، لم يواصل البرلمان العراقي والجماعات الشيعية الكبرى المسار من أجل التصويت على القانون بعد أن فشلت المحاولات المتكررة في تموز/يوليو وآب/أغسطس في الوصول إلى النصاب القانوني، مشيراً إلى أن الجماعات الكوردية والسنّية عارضت إقرار القانون.
وفي حين قال التقرير إن هذه التحركات الأميركية تشير إلى اهتمام واشنطن القوي، وامتداداً لسياستها الإيرانية، باحتواء الفصائل المسلحة الموالية لإيران وتأثيرها، اعتبر أن وضعية المواجهة التي تتخذها واشنطن من الممكن أن تؤدي إلى تفاقم تعقيد علاقاتها مع العراق.
وتابع قائلاً إنه في ظل المعارضة الأميركية المتزايدة لتوسيع دور قوات الحشد الشعبي في المجمع العسكري الأمني العراقي، فإن ذلك من شأنه أن يضعف التعاون الأميركي – العراقي أمنياً، ويؤدي إلى قيود أكثر صرامة على تبادل المعلومات الاستخبارية، وتعقيدات في عمليات التدريب والدور الاستشاري من جانب الولايات المتحدة، وعلى الدعم لمهمات مكافحة الإرهاب التي تتضمن تشكيلات مختلطة تشمل وحدات من الحشد الشعبي، بالإضافة إلى بروز مراقبة أكثر صرامة على الاستخدام النهائي للأسلحة والمعدات التي تقدمها الولايات المتحدة.
وذكر التقرير أنه في العام 2017، تبيّن أن وحدات قوات الحشد الشعبي تمتلك دبابات “أبرامز” الأميركية واستخدمتها في عمليات ضد قوات البيشمركة الكوردية، مما أثار جدلاً داخل الكونغرس.
وأوضح أن توسيع دور الحشد الشعبي يمكن أن يحد من استعداد واشنطن للتدخل لحماية العراق من ضربات محتملة من جانب جهات خارجية مثل إسرائيل ضد الحشد الشعبي، مذكّراً بأن الولايات المتحدة كان لها الفضل في المساعدة في إبعاد العراق عن الاضطرابات الإقليمية بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، على الرغم من هجمات فصائل من الحشد الشعبي على إسرائيل.
ورجّح التقرير أن تكون للحملة الأميركية ضد فصائل الحشد الشعبي آثار كبيرة على العملية السياسية في العراق، مشيراً إلى الدور الكبير الذي تلعبه الأحزاب المتحالفة مع الحشد الشعبي منذ عام 2022، ومشاركتها الرئيسية في الائتلاف المشكّل للحكومة.
ورأى أن الحملة الأميركية وتداعياتها على القوى الداخلية، بما في ذلك غياب الصدريين عن الانتخابات، يمكن أن تؤدي إلى زيادة تعقيد العملية السياسية في العراق وتشكيل الحكومة بعد تشرين الثاني/نوفمبر، حيث من المرجح أن تسعى واشنطن إلى استخدام الزخم الحالي ضد الجبهة الإقليمية التي تقودها إيران لمعارضة حصول الحشد الشعبي على دور بارز، أو حتى انخراط فصائل الحشد الموالية لإيران في الحكومة المستقبلية، وذلك في إطار جهودها الأوسع لمواجهة النفوذ الإيراني.
واعتبر التقرير أن إحدى النتائج المحتملة للمعارضة الأميركية لهذه الفصائل الفاعلة، هي أن تدعم واشنطن رئيس وزراء غير مرتبط بمجموعات الحشد الشعبي، مع عدم معارضة بعض الأدوار لتلك الجماعات في مواقع أخرى داخل الحكومة.
ولفت إلى أنه بالنظر إلى اتساع دور الحشد الشعبي في الاقتصاد العراقي، فإن الإجراءات الأميركية ضد الحشد والقوى الفاعلة المرتبطة بإيران يمكن أن يكون لها تأثير أيضاً على القطاع الاقتصادي العراقي، مشيراً في هذا السياق إلى العقوبات الأميركية على قطاعات مصرفية ونفطية وشركات طيران.
ونبه التقرير، إلى أن كل هذه المسائل تطرح ما يمكن للحكومة القادمة والقوى الفاعلة المهيمنة أن تقوم به بعد انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر بهدف معالجة مخاوف الولايات المتحدة.
وتساءل عما إذا كانت واشنطن ستدفع لدمج فصائل الحشد الشعبي في الأجهزة الأمنية والعسكرية العراقية تحت السيطرة القوية للقائد العام؟ أم أنها ستحاول حل الحشد الشعبي (بشكل لا يختلف عما يحدث مع حزب الله اللبناني حالياً)، وتخفيض مكانة الحشد داخل قوات الأمن الأخرى؟
وفي حين اعتبر التقرير أن كل هذه السيناريوهات تبدو غير محتملة في غياب تحول كبير في ميزان القوى الإقليمي، مثل انهيار النظام في إيران أو إلحاق المزيد من الضعف به، ذكّر بما قاله رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض في آب/أغسطس الماضي بأن “حل قوات الحشد الشعبي سيكون بمثابة انتحار، ولا أتوقع أن يأتي من المرجعية أو الدولة”.
وختم “المجلس الأطلسي” قائلاً: “إما أن تظهر واشنطن مرونة حول قضية الحشد الشعبي، أو أن المسألة ستستمر في إضعاف وتقويض العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق”، مضيفاً أنه بالاستناد إلى الخطاب الحالي على كلا الجانبين، فإن “الاضطراب في العلاقات الثنائية قد يكون سمة العام أو العامين المقبلين”.