تصدرت حادثة وفاة الشيخ عبد الستار القرغولي، إمام وخطيب جامع كريم الناصر في منطقة الدورة جنوبي العاصمة بغداد، المشهد الديني والسياسي في العراق، وسط اتهامات مباشرة لجماعة “المدخلية” السلفية بالتورط في الحادثة، وتحذيرات من تمدد نفوذها داخل المساجد، واتهامات بارتباطها بجهات سياسية سنية.
وفجرت الوفاة المفاجئة للشيخ القرغولي، جدلاً واسعاً بين رواية تعرضه لـ “شبه اغتيال” وأخرى تفيد بوفاته نتيجة “سكتة قلبية”، بحسب مراقبين، فيما اعتبرت شخصيات دينية، أن ما حصل يمثل تهديداً خطيراً للسلم المجتمعي.
تيار المدخلية
وتنتمي “المدخلية”، إلى تيار سلفي تأسس في السعودية على يد الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، ويرتكز فكره على الطاعة المطلقة للحاكم ورفض المعارضة السياسية أو المسلحة.
ودخل هذا التيار العراق بعد العام 2003، مستفيداً من الفراغ الأمني، وبدأ يتمدد في المساجد والمراكز الدينية السنية، لا سيما في مناطق حزام بغداد وغرب العراق، بقيادة محلية أبرزها أبو منار العلمي، الذي حرّم قتال القوات الأمريكية مبرراً ذلك بـ “درء الفتنة”، وفقاً لتقارير إعلامية.
وبحسب التقارير، فإن التيار حظي بدعم ضمني من الحكومات المتعاقبة نظراً لخطابه المهادن، وتمكن من النفاذ إلى مؤسسات دينية رسمية مثل ديوان الوقف السني، حيث مارس نفوذاً واضحاً في التعيينات والمساجد، وهو ما أثار حفيظة أطراف دينية سنية أخرى، اتهمت التيار بإقصاء المخالفين و(تبديع) العلماء والدعاة.
تصنيف رسمي
وأصدرت مستشارية الأمن القومي في أيار/مايو 2025، قراراً بتصنيف “المدخلية” كحركة تهدد السلم المجتمعي، ووجهت بتفعيل إجراءات قانونية ضدها في عدد من المحافظات.
لكن هذا القرار لم يصمد طويلاً، حيث نشر النائب مصطفى جبار سند في الشهر نفسه مقطع فيديو على صفحته في “فيسبوك” يظهر فيه خميس الخنجر، زعيم تحالف “السيادة”، وهو يعلن أن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، استجاب لمطالبهم وأوقف الإجراءات ضد الجماعة، واصفاً المنهج المدخلي بأنه “صحيح ويدافع عن العقيدة”.
كما أن عمار العزاوي، العضو في التحالف نفسه، نفى علاقة حزبه بالجماعة، مؤكداً رفض التحالف وكل القوى السنية هذه الحركات وغيرها، وكل ما يمس الأمن المجتمعي، وتم إصدار بيان رسمي بإدانة الفعل.
وأثارت حادثة وفاة الشيخ القرغولي، الجدل بين خطباء وأئمة حول تعرضه للضرب أو للمشادة الكلامية فقط.
وقال رئيس مجلس أئمة وخطباء منطقة الأعظمية وضواحيها مصطفى البياتي، إن “الشيخ تعرض لاعتداء بلطجي داخل المسجد من قبل ثلة من عصابة متطرفة قامت بضربه مما أدى إلى وفاته”.
واتهم البياتي “جماعة المدخلية” بالمسؤولية المباشرة، قائلاً إن “هذه الجماعة تعمل على تبديع وتفسيق العلماء والدعاة، وهي تحمل فكراً متطرفاً يحارب كل ما سواه، لذلك مخاطرها على البيت السني خاصة والعراق بصورة عامة”.
أما الشيخ ذاكر الحساوي، إمام وخطيب جامع النوري الكبير في مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، فقد ذهب إلى أبعد من ذلك، مؤكداً أن الحادثة “شبه اغتيال متعمد من قبل مارقين”، على حد وصفه.
وحذر الحساوي، من أن هذا الفكر المتشدد قد يتكرر مع أئمة آخرين وقد تُعدّ هذه الحركة “أبشع من داعش” في حال استمر تمددها في المستقبل بتكفير وتفسيق الآخرين وقد يُفرض هذا المنهج المتطرف على المساجد”.
كما نفى، مزاعم وفاة الشيخ القرغولي بـ “النوبة قلبية” إثر نزاع صوتي، قائلاً إن “هذا غير صحيح بما أثبتته دائرة صحة بغداد لوجود ضربات على الجسم وفي منطقة الصدر بعد إدخاله إلى غرفة في المسجد”.
وتأتي هذه التصريحات رداً على ما قاله الشيخ أحمد دحّام، إمام وخطيب مساعد في نفس الجامع، في مقطع فيديو، إن “المتوفى كان يعاني من مشاكل قلبية، وعلى إثر مشادة كلامية داخل غرفة بالمسجد ضمت عدداً من المصلين والمؤذنين، تم نقله إلى المستشفى ليفارق الحياة بعدها”.
من جهته، دان ديوان الوقف السني الحادث ووصفه بأنه “عمل إجرامي جبان”، فيما أعلنت “الدعوة السلفية” براءتها من جماعة المداخلة، معتبرة إياها جماعة متطرفة لا تمثل السلفية الحقيقية، واتهمت جهات سياسية وأمنية بتمكينها.
تيارات دينية متشددة
إلى ذلك، قل الخبير الأمني مخلد حازم الدرب، إن “المدخلية تمثل أحد أوجه التيارات السلفية المتشددة، التي تتحرك بأجندات، وتُحدث إرباكاً في البنية الاجتماعية وتؤثر على الوضع الأمني الداخلي”.
وشدد الدرب، على ضرورة وقف تمددها إعلامياً ومجتمعياً وإغلاق الصفحات التي تروج لمثل هذه الخطابات الدينية المتطرفة.
ووسط استمرار التساؤلات بشأن حقيقة ما جرى، أعلنت قيادة العمليات المشتركة، اليوم السبت، تشكيل لجنة تحقيقية خاصة برئاسة قيادة عمليات بغداد وعضوية وزارة الداخلية والأمن الوطني، للوقوف على ملابسات وفاة الشيخ القرغولي، وجاء تشكيل هذه اللجنة بعد القبض على عدد من المتهمين بالحادثة.
* “الحاكم الأمريكيّ في العراق بول بريمر هو وليّ أمر شرعيّ”… ماذا عن “طاعة وليّ الأمر” عند الجاميّة المدخليّة؟!
** وفاة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي عن عمر يناهز 92 عامًا 09/07/2025