بغداد ـ «القدس العربي»: أثارت مصادقة رئاسة الوزراء العراقية على قائمة تضم نحو 100 اسم مرشح لمنصب سفير، وإحالتها إلى مجلس النواب بُغية التصويت عليها واعتمادها رسمياً، غضب المكون التركماني في العراق. ففيما انتقد بشدّة إقصاءه من قائمة الدبلوماسيين هذه، أكد أن ائتلاف «إدارة الدولة» الحاكم وزّع المناصب بين أحزابه «الإسلامية»، محذّراً من تهديد استقرار العملية السياسية.
شروط
وفي جلسته الأخيرة المنعقدة برئاسة محمد شياع السوداني، مساء الثلاثاء الماضي، صوّت مجلس الوزراء على قائمة السفراء البالغ عددهم نحو 100 سفير، والتوصية إلى مجلس النواب للتصويت عليهم.
وتنصّ المادة التاسعة (أولاً) قانون الخدمة الخارجية رقم (45) لسنة 2008، على أن «يعين السفير بمرسوم جمهوري بناء على ترشيح الوزير وتوصية مجلس الوزراء وموافقة مجلس النواب».
ويشترط في السفير المُعيّن أن يكون «عراقي الجنسية، وحاصلا على الشهادة الجامعية الأولية أو ما يعادلها في الأقل، ومن ذوي الخبرة والاختصاص ومن المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة، ولا يقل عمره عن (35) عاماً، وأن لا تقل درجته الوظيفية عن درجة مستشار، وأن يتقن إحدى اللغات الحية او أن يكون له المام كاف بها في الأقل».
غير أن القانون أجاز أيضاً استثناء توفر شرط «أن لا تقل درجته الوظيفية عن درجة مستشار»، في تعيين السفراء من خارج السلك الدبلوماسي، على ان لا تزيد نسبتهم على (25 ٪) من مجموع السفراء، بناءً على مقترح مجلس الوزراء ولمجلس الوزراء تعديل هذه النسبة متى ما وجد مصلحة في ذلك.
ويرى النائب عن ائتلاف «دولة القانون»، ثائر مخيف الجبوري، أن تصويت مجلس الوزراء على السفراء الجدد تمّ وفق «المحاصصة الحزبية»، وأنه «مرفوض ويكرس للطائفية».
وقال لإعلام نقابة الصحافيين العراقيين إن «هذا التصويت يكرس المحاصصة الحزبية والطائفية، وكان الأولى الابتعاد عن تلك المحاصصة الحزبية التي لا تساعد على بناء العراق، وهذا التصويت يجسد الطائفية والمناطقية». وأوضح أن «دفع الأحزاب بشخصياتها غير المؤهلة إلى المناصب العليا ومنها السفراء، غايتها البقاء وأن تسود وتبقى في المشهد السياسي في العراق».
وبين أن «الأحزاب في كل العالم، تعمل لخدمة المواطن لكي يلتف حولها، إلا في العراق، فهي تعمل على تجسيد الطائفية والمناطقية والقومية من أجل بقائها في السلطة».
ورغم عدم نشر قائمة أسماء السفراء المرشحين لشغل مناصبهم الدبلوماسية الجديدة، غير أن التركمان سارعوا لرفض آلية اختيارهم، وعدم وجود تمثيل لهم في هذه المناصب.
واستنكر النائب غريب عسكر التركماني، مقرر مجلس النواب، وعضو تحالف «إنقاذ تركمان كركوك»، ما وصفه باستمرار «تغييب» المكون التركماني في العراق من قائمة السفراء المرشحين من قبل ائتلاف «ادارة الدولة» والكتل السياسية ووزارة الخارجية.
وقال في بيان إن «هذا الاقصاء لا ينسجم مع مبادئ الشراكة الوطنية، ويشكل اخلالاً بالتفاهمات والاتفاقات السياسية التي ضمنت حقوق جميع المكونات».
وأضاف أن «أبناء المكون التركماني، كانوا ولا يزالون، في طليعة المدافعين عن وحدة العراق وأمنه، وقدموا تضحيات جساماً في مواجهة الإرهاب والتحديات الكبرى التي واجهت البلاد، فتجاهل هذا الدور الوطني المشهود يبعث برسائل سلبية ويهدد استقرار العملية السياسية والتماسك المجتمعي».
وأكد أن «استمرار هذا النهج الإقصائي بحق القومية التركمانية سيواجه بموقف حازم من جماهيرنا»، داعياً في الوقت عينه وزارة الخارجية والقوى السياسية إلى «تصحيح هذا المسار واعادة الاعتبار لحقوق التركمان في تمثيل العراق دبلوماسياً».
كذلك اتهم النائب التركماني أرشد الصالحي، ائتلاف «إدارة الدولة» الممثل لجميع القوى السياسية المشاركة في الحكومة، بـ«إقصاء التركمان» من قائمة السفراء.
الصالحي أكد توزيع المناصب على الأحزاب الإسلامية
وقال في «تدوينة» له ان «ائتلاف إدارة الدولة وزع المناصب بين أحزابه الإسلامية، متجاهلاً الحق القومي لمكونٍ أصيلٍ شريكٍ في بناء الدولة».
وانسجاماً مع الموقف ذاته، أكد النائب التركماني السابق فوزي أكرم ترزي، أن المكون التركماني يتعرض لتهميش سياسي واضح ومقصود من جميع القوى الفاعلة، مشيراً إلى أن قائمة السفراء الأخيرة لم تتضمن أي اسم من الكفاءات التركمانية، في ما وصفها بـ«رسالة سلبية ومقصودة».
وذكر في تصريح لوسائل إعلام محلية، أن «التركمان يمثلون القومية الثالثة في العراق، وهم مكون رئيس في المجتمع، يملكون حقوقًا دستورية ثابتة أسوة بباقي القوميات والطوائف»، مبينًا أن «التهميش الذي يطالهم لم يأتِ من جهة بعينها، بل من مجمل القوى السياسية، بما فيها الإطار التنسيقي وائتلاف إدارة الدولة، رغم وعودهم المتكررة بالعدالة والإنصاف».
وبينّ أن «قائمة السفراء الأخيرة كانت خالية تمامًا من أي شخصية تركمانية، في إقصاء واضح للكفاءات، وهو ما يعكس استمرار التهميش داخل مؤسسات الدولة، حتى أن بعض الوزارات باتت تكاد تخلو من أي تمثيل تركماني».
تهميش ممنهج
وشدد على أن «ما يجري هو تهميش ممنهج لمكون قدم آلاف الشهداء في معارك التحرير ومواجهة الإرهاب، ومع ذلك يُقصى من مواقع القرار»، مضيفًا أن «هذا الواقع يثير تساؤلات جدية حول نوايا الشركاء السياسيين إزاء المكون التركماني».
الضجّة التي خلّفتها قائمة أسماء السفراء المرشحين، تعدّ الثانية من نوعها خلال هذا العام، إذا سبق وأن تداولت مواقع إخبارية محلية ومنصّات على مواقع التواصل الاجتماعي، قوائم بأسماء لشخصيات سياسية ومسؤولين سابقين وحاليين، قالوا إنها مرشحة لمنصب سفير.
لكن سرعان ما نفت وزارة الخارجية صحّة هذه القوائم، وأكدت في نيسان/ أبريل الماضي، أنَّ عمليَّةَ اختيارِ سفراءَ جُدُدٍ من الكوادرِ الدبلوماسيَّةِ المؤهَّلة تحظى باهتمامٍ بالغٍ من قبلِ الوزارة، في ظلِّ النقصِ الكبيرِ الحاصلِ في هذا المنصب. وفي هذا السياق، شدّدت الوزارة في بيان حينها، على أنَّ «هذه العمليَّة «تُجرى وفقَ آليَّاتٍ دقيقةٍ وموضوعيَّة، وبما يتوافق تماماً مع قانونِ الخدمةِ الخارجيَّةِ والسياساتِ المعتمدة، مع الحرصِ على اختيارِ الكفاءاتِ التي تُمثِّلُ العراقَ تمثيلالائقًا في المحافلِ الدوليَّة».
ونفت «صِحَّةَ ما يتمُّ تداوُلُهُ في بعضِ وسائلِ الإعلام أو عبرَ منصَّاتِ التواصلِ الاجتماعيّ من قوائمَ مزعومةٍ بأسماءِ مرشَّحينَ لمنصبِ السفير»، لافتة إلى إن «مثلَ هذه المعلوماتِ لا أساسَ لها من الصحَّة، وأنَّ الإعلانَ عن هذا الموضوع، عند إنجازه، سيتمُّ عبر القنواتِ الرسميَّةِ للوزارة فقط».
يحدث ذلك في وقتٍ، قدّم فيه السفير لقمان عبد الرحيم الفيلي، أوراق اعتماده إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بصفته سفيراً مفوضاً فوق العادة ومندوباً دائماً لجمهورية العراق لدى الأمم المتحدة في نيويورك.
وذكرت وزارة الخارجية العراقية في بيان صحافي أمس الجمعة أنه «خلال مراسم تقديم أوراق الاعتماد، نقل السفير الفيلي تحيات حكومة العراق إلى الأمين العام، مشيداً بجهود الأمم المتحدة ودعمها المتواصل للعراق في مجالات التنمية المستدامة، والمساعدات الإنسانية، وإعادة الإعمار، وبناء القدرات المؤسسية».
وأكد «التزام العراق الثابت بمبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة، واستعداده لتعزيز التعاون مع المنظمة الدولية وهيئاتها المختلفة، بما يحقق مصالح العراق ويسهم في تعزيز السلم والأمن والتنمية على الصعيدين الإقليمي والدولي».
كما أشار إلى «الدور القيادي الذي يضطلع به العراق حالياً من خلال رئاسته لمجموعة الـ77 والصين»، مؤكداً عزمه «تمثيل مصالح الدول الأعضاء، وتعزيز العمل المشترك ضمن إطار التعاون متعدد الأطراف».
وعمل الفيلي سفيراً للعراق منذ 2021، وتولى رئاسة دائرة أمريكا في وزارة الخارجية، وقبل ذلك رئاسة الدائرة القانونية.
وعمل كذلك سفيراً للعراق لدى اليابان (حزيران/ يونيو 2010 ـ أيار/ مايو 2013) ثم سفيراً لدى الولايات المتحدة (أيار/ مايو 2013 ـ حزيران/ يونيو 2016).
ووفقاً للموقع الرسمي لوزارة الخارجية العراقية، فإن الفيلي يمثّل «شريحة صاعدة وواعدة من جيل المهنيين ورجال الأعمال وقادة المجتمع المدني من الذين عادوا إلى العراق ليكون لهم دور فاعل ومؤثر في بناء العراق على أسس الديمقراطية والحرية الفكرية والسوق الحر».
وقد أقام في المملكة المتحدة لأكثر من 20 عاماً «شغل خلالها عدة مناصب إدارية وقيادية رفيعة المستوى في شركات بريطانية مرتبطة بشركات أمريكية كبيرة»، كما كان «من أبرز الناشطين بين صفوف الجالية العراقية هناك وعضواً في مجالس الأمناء للعديد من المنظمات غير الربحية في المملكة المتحدة»، وهو «أحد أبرز الأصوات المعارضة لنظام صدام حسين ومن الدعاة المنادين بنشر الديمقراطية وفتح سبل الحوار ودفع عجلة التقدم ودعم سيادة القانون في العراق»، حسب الوزارة.