دمشق (أ ف ب) – أعلنت لجنة التحقيق الوطنية في أحداث الساحل السوري الثلاثاء أنها حدّدت هوية 298 شخصا يُشتبه بتورطهم في أعمال عنف طالت الأقلية العلوية، مشيرة الى تحقّقها من “انتهاكات جسيمة”، أسفرت عن مقتل 1426 علويا وثقت أسماؤهم.
وأوقعت أعمال العنف التي شهدها الساحل السوري على خلفية طائفية في آذار/مارس نحو1700 قتيل، غالبيتهم الساحقة من العلويين، وفق حصيلة أوردها المرصد السوري لحقوق الانسان. وطرحت أعمال العنف التي طالت الأقلية العلوية حينها ثم الدرزية خلال الأسبوع الماضي تساؤلات إزاء قدرة السلطة الانتقالية على بسط سلطتها على كامل التراب السوري والتعامل مع الأقليات.
وقال المتحدث باسم اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق وتقصي الحقائق ياسر الفرحان خلال مؤتمر صحافي في دمشق “توصلت اللجنة الى معرفة 298 بأسمائهم الصريحة من المشتبه بتورطهم في انتهاكات”، في رقم “يبقى أوليا”.
وتحققت اللجنة، وفق الفرحان، “من انتهاكات جسيمة تعرض لها المدنيون في 7 و8 و9 آذار/مارس، تشمل حوادث القتل الواقع على أكثر من شخص والقتل القصد وسلب الممتلكات وتخريب البيوت وحرقها والتعذيب والشتم بعبارات طائفية”.
وقال الفرحان إن اللجنة تحققت “من أسماء 1426 قتيلا، بينهم تسعون امرأة والبقية معظمهم مدنيون” من العلويين، مشيرا الى “أعداد اضافية من القتلى لم تتحقق من صحتها”.
وفي تعليق على نتائج التحقيق، قالت الطالبة الجامعية جنى علي مصطفى التي فقدت والدها في مدينة بانياس خلال أعمال العنف لوكالة فرانس برس “لم أكن أنتظر صدور التقرير، لأن الحقيقة جلية بالنسبة إلي، وأعداد الجثث والمقابر الجماعية وأصوات صرخات الضحايا كانت كافية لتوضح حقيقة ما جرى”.
وأضافت الشابة البالغة من العمر 24 عاما أن التقرير “يضم تبريرات كثيرة لكل ما حدث”، معتبرة أن ما حصل “أكبر من كونه انتهاكات، إذ كان موجها ضد طائفة بكاملها”.
– “خيبة” –
شهدت منطقة الساحل ذات الغالبية العلوية بدءا من السادس من آذار ولثلاثة أيام، أعمال عنف على خلفية طائفية، اتهمت السلطات مسلحين موالين للرئيس المخلوع بشار الأسد بإشعالها عبر شنّ هجمات دامية أودت بالعشرات من عناصرها.
وبحسب اللجنة، قضى 238 من عناصر الأمن العام والجيش في تلك الهجمات.
وأرسلت السلطات على إثرها تعزيزات عسكرية الى المنطقة، شملت مئتي الف مقاتل، وفق الفرحان. وتحدث المرصد وشهود ومنظمات حقوقية عن ارتكاب قوات الأمن ومجموعات رديفة مجازر وعمليات “إعدام ميدانية” طالت الأقلية العلوية التي تنتمي اليها عائلة الأسد.
وبحسب منظمات حقوقية ودولية، فقد قضت عائلات بأكملها في أعمال العنف، وبين القتلى نساء وأطفال ومسنون. واقتحم مسلحون منازل وسألوا قاطنيها عما إذا كانوا علويين أو سنة، قبل قتلهم أو تركهم وشأنهم.
ووثق المسلحون أنفسهم عبر مقاطع فيديو قتلهم أشخاصا بلباس مدني عبر إطلاق الرصاص من مسافة قريبة، بعد توجيه الشتائم وضربهم.
وقال رئيس اللجنة جمعة العنزي خلال المؤتمر الصحافي إنه تمّت الاستعانة بالسلطات المختصة للتعرف على هوية أشخاص ظهروا في مقاطع مصوّرة على مواقع التواصل الاجتماعي توثّق ارتكابهم انتهاكات، مضيفا أن البعض منهم أدرجت أسماؤهم في لوائح المشتبه بهم.
وأحالت اللجنة لائحتين الى النائب العام، تضمان أسماء “المشتبه بتورطهم في الاعتداءات أو الانتهاكات”.
وأعربت راما حسين (22 عاما) التي فقدت ستة أفراد من عائلتها في ريف جبلة، بينهم ثلاثة أشقاء وجدها، عن شعورها “بالأسى والخيبة والإحباط من اللجنة”.
وقالت لفرانس برس عبر الهاتف “كنت أحد الأشخاص الذين عاينوا كيف مات أهلي وكيف نمنا في البراري وهربنا من الموت من مكان لآخر … لم يستمع أحد إلي ولم تزرنا اللجنة”.
وتابعت “لا نريد لحنة تقصي حقائق.. الحقائق واضحة وهم وثقوها بأنفسهم”، متمنية أن يصار الى “تعويض الاهالي ماديا ومعنويا، وأن نرى محاسبة فعلية لا تقارير ومؤتمرات صحافية فقط”.
– مخالفة “الأوامر العسكرية” –
توصلت اللجنة، وفق الفرحان، الى تحديد “أفراد ومجموعات يرتبطون ببعض المجموعات والفصائل العسكرية من مجمل القوات المشاركة”. ورجّحت أنهم “خالفوا الأوامر العسكرية ويُشتبه بارتكابهم انتهاكات بحق المدنيين”.
واستندت لجنة التحقيق في عملها على زيارة 33 موقعا ولقاءات عقدتها مع عشرات الشخصيات في البلدات التي شهدت انتهاكات، عدا عن الاستماع للشهود ومئات الضحايا. وقالت إنها دوّنت 938 افادة، 452 منها متعلقة بحوادث قتل و486 متعلقة بالسلب تحت تهديد السلاح أو السرقة أو حرق المنازل او التعذيب. كما استمعت اللجنة وفق الفرحان الى 23 إفادة وإحاطة لمسؤولين حكوميين. واستجوبت موقوفين، من دون أن يحدد عدهم.
وكان يتعين على لجنة التحقيق التي شكلها الرئيس الانتقالي أحمد الشرع في 9 آذار/مارس أن تقدم خلاصة عملها في غضون شهر، قبل أن تُمدد المهلة لثلاثة أشهر انتهت في 10 تموز/يوليو.
وطالبت منظمات حقوقية عدة بينها منظمة العفو الدولية الشهر الحالي السلطات السورية بنشر النتائج الكاملة لتحقيقاتها، وضمان محاسبة المسؤولين عنها.
ويأتي نشر خلاصات عمل اللجنة الثلاثاء بعيد أعمال عنف شهدتها محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية الأسبوع الماضي، ما اسفر عن مقتل أكثر من 1200 شخص، الجزء الأكبر منهم دروز، وفق المرصد، ما أثار تساؤلات حول قدرة السلطات على إدارة التوترات الطائفية وبسط الأمن بعد اكثر من سبعة اشهر على إطاحتها الحكم السابق الذي لطالما قدم نفسه حاميا للأقليات.