بغداد/المسلة: يسود المشهد العراقي اليوم قلق متصاعد مع اقتراب التحالف الدولي من إنهاء وجوده العسكري، حيث تفتح هذه الخطوة باباً عريضاً للتساؤلات حول قدرة العراق على ملء الفراغ الأمني، خاصة في ظل الحدود الملتبسة مع سوريا وما تحمله من احتمالات تسلل التنظيمات المتشددة.
ويأتي هذا القلق البرلماني والعسكري ليعكس إدراكاً بأن الانسحاب ليس مجرد ملف عسكري تقني، بل هو تحول استراتيجي في موازين القوى الإقليمية.
ويبدو أن الإشارات الأمريكية الموازية للانسحاب العسكري، عبر الحديث عن “شراكة مدنية”، لم تُطفئ المخاوف العراقية، بل زادت الغموض حول طبيعة الأدوار البديلة التي سيلعبها التحالف. فالمعادلة الأمنية في العراق، التي ارتبطت طويلاً بوجود قوات أجنبية منذ عام 2003، تواجه الآن اختباراً لمعادلة جديدة قوامها الاعتماد على المؤسسات الأمنية المحلية التي تعاني بدورها من انقسامات وتباينات في الولاء والتجهيز.
وتكشف تصريحات لجنة الأمن والدفاع في البرلمان عن أن المخاوف لا تقتصر على الوضع الداخلي، بل تمتد إلى ساحات جوار ملتهبة كالساحة السورية واللبنانية، حيث تعيش الفصائل المسلحة والتنظيمات العابرة للحدود حالة ترقب لأي فراغ يمكن استثماره.
ومن هنا، فإن الحديث عن توقيت الانسحاب يبدو أكثر خطورة من الانسحاب نفسه، إذ أن التحولات الأمنية عادة ما تُقاس بمدى الجهوزية المحلية لا بقرارات الشركاء الدوليين.
ويدرك صانع القرار العراقي أن انسحاباً متدرجاً على مرحلتين، ينتهي في أيلول 2026، قد يمنح فرصة للتهيئة، لكنه في الوقت نفسه يمنح اللاعبين الإقليميين وقتاً لإعادة التموضع.
وهذا ما يفسر حدة النقاشات الداخلية حول ما إذا كان العراق مستعداً لخوض هذه المرحلة بمفرده، أم أنه سيبقى في دائرة الاعتماد على تفاهمات غير معلنة مع بعض القوى الدولية والإقليمية.
وعلى وقع هذه الهواجس، تظل الحدود العراقية السورية مرشحة لأن تكون البوابة الأولى لاختبار قدرة بغداد على حماية أمنها الوطني في غياب الغطاء الدولي، في لحظة إقليمية يطغى عليها الاضطراب والتنافس الجيوسياسي، بما يجعل أي انسحاب بمثابة نقطة تحول كبرى قد تُعيد رسم خريطة النفوذ في المنطقة.