بغداد ـ «القدس العربي»: يشهد مجلس النواب العراقي تحركات يقودها أكثر من 10 نواب، تهدف إلى إجراء تعديلات على قانون الانتخابات المُعتمد، تتعلق بمنع استغلال النفوذ السياسي للمرشحين الذين يشغلون مناصب حكومية، وإرغامهم على تقديم استقالاتهم قبل خوض المعترك الانتخابي، وسط أنباء تفيد بإتلاف مفوضية الانتخابات أكثر من مليون بطاقة ناخب في غضون أقل من عام، لأسباب ترتبط بالتصحيح والوفاة والتغيير من بطاقة قصيرة إلى طويلة الأمد.
انقسام وتصويت
نائب رئيس اللجنة القانونية النيابية، محمد عنوز، أكد في تصريح لإعلام نقابة الصحافيين العراقيين «وصول تعديل جديد لقانون الانتخابات إلى اللجنة، على الرغم من تأكيد الحكومة إجراء الانتخابات وفق القانون الحالي».
وبين أن «المقترح مقدم من عدد من النواب، ومشفوع بتواقيع أكثر من 10 أعضاء، وستتم مناقشته في اللجنة نهاية الأسبوع الحالي أو بداية الأسبوع المقبل»، مشيراً إلى وجود «انقسام داخل مجلس النواب بين مؤيد لتعديل قانون الانتخابات ومعارض، وبالتالي سيتم اتخاذ الإجراءات الأصولية للتشريع، ويمكن أن يحسم هذا الأمر عبر تصويت أعضاء مجلس النواب في الجلسات المقبلة».
وأوضح أن «أبرز نقاط التعديل الجديد هي إيقاف استغلال النفوذ من المرشحين أصحاب المناصب الحكومية، وضرورة سحب صلاحياتهم وتقديم استقالاتهم قبل إجراء الانتخابات بستة أشهر، وأيضا تحديد نسبة 20 – 80 ٪ من أصوات القوائم، حيث لا يجوز للفائزين الأوائل في القائمة الواحدة إعطاء أصواتهم الفائضة إلى القائمة، وإيقاف المشاريع وتقديم المكافآت».
وتشهد الساحة السياسية العراقية صراعا محموما قبل بداية الانتخابات النيابية المقبلة، والتي من المقرر إجراؤها في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
ووفق الوزير العراقي السابق، زعيم تحالف «مستقبل العراق»، باقر الزبيدي، فإن «هوس الانتخابات تحول إلى حمى وسعار انتخابي بتنا نشهد معه أساليب جديدة لم تعرفها العملية السياسية، وباتت تصلنا تقارير عن انسحابات تتم بشكل سريع وتحول في المواقف وإعادة تشكيل تحالفات بطرق غير لائقة».
ورأى في بيان صحافي أن «هذه التصرفات تزيد من تباعد الجمهور عن القاعدة السياسية، وتسهم في حالة النفور والمقاطعة التي باتت تزداد مع كل عملية انتخابية، وستساهم في نهاية المطاف بوصول الجميع أحزاب وجمهور إلى طريق مسدود من الممكن أن نشهد فيه مجموعة من الخيارات الصعبة التي تعيدنا إلى المربع الأول».
وأضاف: «نحن نؤمن أن لكل حزب أو جهة سياسية الحق في ممارسة الطرق التي من خلالها تحصل على تأييد الجمهور أو انضمام مرشحين أكفاء، إلا أننا نجد في الوقت الراهن أن هذا الأمر تحول إلى عملية بيع وشراء وبطريقة المزادات التي تبحث عن السعر الأعلى للمرشح».
ولفت إلى إنه «رغم إعلاننا الانسحاب من الانتخابات، فإننا نرى أن على المرشح أن يكون على قدر المسؤولية، وأن يبحث عن الحزب والجهة التي تلبي طموحاته بالتنافس الشريف وتمثيل الجمهور بالشكل الأمثل، لا عن الحزب الذي يمتلك مالا سياسيا يساعده على شراء الأصوات والذمم».
واعتبر في بيانه أن «المسؤولية اليوم مشتركة بين المرشح والناخب، وهم وحدهم قادرون على إنهاء حالة الهوس الانتخابي التي أصابت بعض الأحزاب من خلال رفض هذه الأساليب ومقاطعة هذه الجهات وعزلها عن العملية السياسية».
يقضي بمنع استغلال المرشحين المسؤولين في الحكومة لنفوذهم
وسبق وأن وجّه النائب عدنان الزرفي تحذيراً إلى قادة العملية السياسية، مؤكداً أن النظام بات على المحك، مشدداً على ضرورة الاتعاظ مما جرى في المنطقة.
وأوضح في «تدوينة» سابقة له ان «العزوف عن الانتخابات لم ينجم عن فشل مخرجاتها في إصلاح البلد فقط، بل بسبب خشية المواطن من هدر صوته في عملية تفتقد للشفافية، وتحوّلت من وسيلة لتداول السلطة إلى مزاد لشراء الأصوات والذمم، يديرها المال السياسي والسلاح، واستغلال موارد الدولة تجاوزاً على القانون والدستور، دون أدنى حدود للسيطرة على الممنوعات».
وأضاف أنه «فوق ذلك، فإن التلاعب المرصود بالنتائج حوّل العملية الانتخابية إلى طقس لا يلفت نظر أحد، سوى المواطن الناقم الذي ملّ الاستهانة بصوته، أداته الدستورية لفرض إرادته، فتخلى عنها»، موضحا أن «هذه المرة، يبدو أن العالم قد التفت إلينا، وانتبه إلى أن ما كان يقدمه كدعم لديمقراطية ناشئة، تحوّل بيد مجموعة مغامرين إلى وسيلة لوأد الديمقراطية».
واختتم «تدوينته» بالقول: «انتبهوا إلى أن مصداقية النظام بأكملها باتت على المحك، واتعظوا مما جرى حولنا، فما كان مباحاً لعقود قد استُهلك وما عاد مقبولاً. لا تقوّضوا آمال الشعب بمغامرات قد تعصف بوجودكم».
يتزامن ذلك مع كشف المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، عن اتلاف أكثر من مليون و209 الاف بطاقة انتخابية خلال أقل من عام لأسباب متعددة بينها التصحيح والوفاة والتغيير من قصيرة الى طويلة الأمد.
وحسب مصدر من المفوضية فإن «عدد البطاقات قصيرة الأمد المسحوبة يوم الاقتراع العام 75 ألفا و842 بطاقة لسنة 2021، بينما بلغ عدد البطاقات غير المقروءة التي سحبت يوم الاقتراع 23 ألفا و317 بطاقة لسنة 2023».
أما البطاقات طويلة الأمد المستبدلة سواء بالتغيير أو التصحيح أو كليهما، فبلغت «مليونا و98 ألفا و886 بطاقة، في حين بلغ عدد البطاقات طويلة الأمد للمتوفين 11 ألفا و304 بطاقات».
وبذلك يكون المجموع الكلي للبطاقات التي أتلفت من بداية حزيران/ يونيو 2024 ولغاية 24 من نيسان/ أبريل الحالي، مليونا و209 آلاف و349 بطاقة.
ويقول رئيس الإدارة الانتخابية في المفوضية، عامر الحسيني، إن «المفوضية تطلب قبل 6 أشهر من وزارة الصحة تزويدها بأسماء المتوفين لحجبهم من سجل الناخبين»، مبيناً أن «حجبهم لا يسمح بشمولهم بالانتشار على مراكز الاقتراع، وبالتالي لا يكون اسم المتوفى موجودا في محطة الاقتراع»، حسب الصحيفة الحكومية.
وأكد الحسيني أن «بطاقة الناخب في هذه الحالة تسترد وتصبح غير فعالة، ولهذا فإن المفوضية تقوم بين الحين والآخر بإتلاف مجموعة من البطاقات منعا لأي حديث أو تشكيك بالعملية الانتخابية».
ووسط الاستعدادات الجارية لإتمام العملية الانتخابية، غير إن العراقيين المقيمين في الخارج لن يتمكنوا من التصويت في بلدان إقامتهم خلال انتخابات مجلس النواب المقبلة، وذلك استناداً إلى قانون الانتخابات رقم 18 لسنة 2018 المعدل.
عضو الفريق الإعلامي في المفوضية، حسن هادي، أفاد بأن «القانون لم يجز إجراء الانتخابات خارج العراق؛ لكنه سمح لأبناء الجالية العراقية بالحضور إلى داخل البلاد يوم الاقتراع للإدلاء بأصواتهم أسوة بباقي الناخبين».
وأضاف في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن «المفوضية فتحت أكثر من 1769 مركزاً انتخابياً في عموم المحافظات مع استمرار العمل على مدار الأسبوع بما في ذلك العطل الرسمية؛ لتتيح للناخبين الموظفين فرصة تحديث بياناتهم»، مبيناً أن «التحديثات قد شهدت تقدماً جيداً حيث تم تسجيل قرابة مليون حالة من أصل خمس فئات تشمل: الإضافة، الحذف، التصحيح، النازحين، والتحويل بين الخاص والعام».
كما أكد أن «دائرة الأحزاب بدأت عملها منذ 15 نيسان/ أبريل وهي مستمرة في تسجيل الأحزاب، حيث تم تسجيل 326 حزباً من بينها 48 حزبًا قيد التسجيل و64 تحالفاً»، لافتاً إلى أنه «ما زال هناك وقت كافٍ لتسجيل المزيد من الأحزاب والتحالفات».
التدابير اللازمة
وبخصوص اعتماد بصمة العين للناخبين الذين يصعب ظهور بصماتهم بسبب الأمراض أو كبار السن أو من لديهم مهن تؤثر على بصمات اليد، أكد هادي أن «المفوضية اتخذت التدابير اللازمة لضمان مشاركة هؤلاء الناخبين».
أما رئيس الفريق الإعلامي في المفوضية، عماد جميل، فأكد أنه «في الرابع من شهر أيار/ مايو المقبل سينتهي موعد تسجيل التحالفات السياسية، وإذا كان هناك تعديل على التحالف يجب مراجعة دائرة الأحزاب وتحديث هذه التغييرات وإضافتها».
ووفق جميل فإنه «بعد أن تستكمل المفوضية قوائم المرشحين وعملية تسجيل التحالفات ستبدأ عملية القرعة»، مبيناً أن «هذه الإجراءات تتخذها المفوضية في سبيل الوصول إلى يوم الاقتراع».