بغداد ـ «القدس العربي»: أثار إقدام السلطات المحلية في محافظة البصرة، على إزالة عدد من الدور السكنية «العشوائية» المشيدة على أرض تقول إن ملكيتها تعود لمواطنين، موجة من ردود الفعل السياسية في العراق. ففيما طلب رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، من محافظ البصرة أسعد العيداني، التريث بتنفيذ قرار «إزالة المباني المتجاوزة»، رفض رئيس الحكومة المحلية في المدينة تنفيذ التوجيه الاتحادي.
ونشرت مواقع إخبارية محلية ومدونون مشاهد مصوّرة وثّقت قيام جرافات تابعة للحكومة المحلية في البصرة، بهدم دور «عشوائية» في إحدى مناطق المحافظة الجنوبية الغنية بالنفط، رافقتها حمّلة من ردود الفعل الغاضبة.
ويروي أحد المواطنين لموقع «المربد» البصري، أنه يمتلك سند تمليك في مقاطعة 55 في منطقة النجمي في غرب البصرة، وهي المنطقة التي تدور حولها القضية.
ويؤكد أنه تم توزيع تلك المقاطعة كقطع أراضٍ سكنية في تسعينيات القرن الماضي لموظفي وزارة الصناعة والمعادن، وتحديدا لموظفي معمل الأسمدة ومعمل البتروكيميات، غير أنه لم يتم فرزها (تثبيت حدودها على الأرض) على الرغم من مرور أكثر من ثلاثين عاماً.
ووفق المصدر فإن مواطنين آخرين من غير المالكين، قاموا بالتجاوز على تلك القطع واتخاذها بيوتا سكنية وأراضي زراعية، الأمر الذي دفع ملّاكها الأصليين إلى مناشدة الحكومة المحلية بالتدخل لحل هذه الإشكالية.
وعلى إثر ذلك، والحديث للمصدر أيضاً «وجهت المحافظة عدة انذارات للمتجاوزين وأبلغتهم بضرورة رفع تجاوزاتهم، إلا أن المتجاوزين لم يمتثلوا لتلك الانذارات، الأمر الذي دفع السلطات المحلية إلى رفع تلك التجاوزات، مما تسبب في هذه الضجة الإعلامية».
وسرعان ما تفاعلت القضية عندما أصدرت «سرايا السلام»، الجناح العسكري للتيار «الصدري»، بزعامة مقتدى الصدر، توجيها للمنتمين إليها ممن يعملون كموظفين حكوميين في أقسام التجاوزات التابعة للبلدية والبلديات والمرتبطة بديوان المحافظة والوحدات الإدارية، يقضي بتقديم طلب نقل من أقسامهم إلى اقسام أخرى، في إجراء يبدو إنه يمثل رفضاً صدرياً لإجراء الحكومة المحلية في البصرة، والنأي بـ«الصدريين» عنه.
واتسّق الموقف الصدري مع رأي أحمد الفرطوسي، وهو قيادي في «التيار الوطني الشيعي»، الذي يرأسه الصدر أيضاً، والذي اعتبر أن هدم عشوائيات الفقراء في البصرة «يشبه هدم منازل أهل غزة على يد الاحتلال الإسرائيلي».
وكتب في «تدوينة» له يقول: «تهدم البيوت في البصرة على رؤوس الفقراء كما تهدم في غزة على يد الاحتلال، لكن هنا ليس عدوًا غازيًا بل خائن يرتدي عباءة الوطن».
وأضاف أن «عميلايتحدث بلهجة العراقيين ويطعنهم في ظهورهم. لعنة الله على حكومة تقتل الفقراء لإرضاء الغرباء، التي أورثتنا الذل وباعت الشرف، وجعلت من المواطن ترابًا ومن اللصوص آلهة تُعبد».
وتابع الفرطوسي قائلاً: «قوموا أيها الأحرار فالصمت خيانة والبصرة لا تُهان مرتين مرة بنهب نفطها ومرة بهدم بيوتها».
كذلك كشف القيادي في «التيار الوطني الشيعي»، حيدر المنصوري، أن قصور الشعب في البصرة تباع بـ«مزاد استثمار الكبار السري».
وقال في «تدوينة» له إن «قصور الشعب في البصرة (في إشارة إلى قصور صدام حسين) تباع بمزاد استثمار الكبار السري، وبدل أن تتحول الى مكان لرفاهية البسطاء والفقراء سوف تتحول إلى مكان للفاشنيستات والأثرياء»، مستدركاً: «مبروك للحكومة المركزية والمحلية هذا الإنجاز».
على إثر ذلك، تدخل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في القضية، ووجه بإيقاف حملات هدم التجاوزات في بغداد والمحافظات «مراعاة لأوضاع ساكنيها»، حسب وثيقة صادرة من نائب مدير مكتبه علي رزوقي اللامي.
غير أن محافظ البصرة، أسعد العيداني، ردّ على توجيه السوداني مؤكدًا أن العراق دولة اتحادية، وأن توجيهات رئيس مجلس الوزراء غير ملزمة للمحافظات.
العيداني يرفض تنفيذ قرار السوداني… والصدر ينأى بأتباعه عن القضية
وأوضح العيداني في بيان أن «المحافظ يُنتخب من قبل مجلس المحافظة ولا يُعد موظفًا تابعًا للحكومة المركزية»، مشيرًا إلى أن «التوجيه الأخير يتعارض بشكل صريح مع المادة 154 من قانون إزالة التجاوزات، ويُعد سابقة خطيرة قد تُشجع على التعدي على الأملاك العامة والخاصة».
وأكد أن «الإجراءات التي اتخذتها محافظة البصرة جاءت استنادًا إلى قرارات قضائية باتة بإزالة تجاوزات على أراضٍ خاصة»، مشددًا على «عدم التراجع عن تنفيذ القانون لصالح أي مجاملات».
في موازاة ذلك، نفى مجلس القضاء الأعلى ما تم تداوله بشأن نشر مذكرة قبض بحق محافظ البصرة في مواقع التواصل الاجتماعي ينسب صدورها إلى محكمة تحقيق الكرادة في بغداد.
وذكر المركز الإعلامي للمجلس في بيان صحافي أمس، أنه «تم نشر مذكرة قبض في مواقع التواصل الاجتماعي ينسب صدورها إلى محكمة تحقيق الكرادة» مشيرا الى أنه «نود التوضيح بعد الاتصال بالمحكمة المنسوب لها إصدار هذه المذكرة أنها مزورة وغير صحيحة».
وأضاف البيان أنه «بهذا الصدد نحذر من يمارس هذه السلوكيات المخالفة للقانون، وسوف تتم متابعة مرتكبيها لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم».
واعتبر الخبير القانوني العراقي حازم الكعبي، موقف العيداني «قانونيا ومتوافقا مع الدستور».
وذكر في تصريحات لمواقع محلية انه «في ظل الدستور العراقي وقانون المحافظات رقم 21 لسنة 2008 المعدل، فإن توجيه رئاسة الوزراء الأخير بشأن إيقاف حملات إزالة التجاوزات يثير إشكالادستوريًا يتعلق بحدود الصلاحيات بين الحكومة الاتحادية والمحافظات».
وأضاف أن «المحافظ هو الرئيس التنفيذي الأعلى في المحافظة، منتخب من مجلسها، ويمارس صلاحياته بشكل مستقل ولا يرتبط إداريًا أو فنيًا بالحكومة الاتحادية، بل يخضع لرقابة محلية منتخبة وفق المادة 122/خامسًا من الدستور».
وتابع: «أما القرار رقم 154 لسنة 2001، فهو نافذ وتُطبّق أحكامه أمام المحاكم، ويلزم الجهات المختصة بإزالة التجاوزات دون اشتراط إيجاد البديل، ويُعد تعليقه غير ممكن إلا بتشريع صادر عن مجلس النواب، ولا صلاحية للسلطة التنفيذية لتعليقه أو تعطيله».
ورأى الكعبي أنه «فيما يُفترض تطبيق القانون على الجميع، فإن احترام الظروف الإنسانية للفقراء من المتجاوزين واجب لا يتناقض مع فرض هيبة الدولة، بل يستدعي حلولامتوازنة تقوم على سياسات إسكان عادلة لا على تعطيل النصوص القانونية النافذة».
وختم بالقول: «بناءً عليه، فإن موقف محافظ البصرة بتنفيذ القرار هو موقف قانوني متوافق مع الدستور، ويُوازن بين حماية المال العام ومراعاة الحقوق الإنسانية عبر أدوات تشريعية واضحة لا توجيهات إدارية غير ملزمة».
ويتسق رأي الخبير القانوني مع موقف رئيس اتحاد المقاولين العراقيين في البصرة، حسين المالكي، الذي استنكر توجيهات السوداني بشأن إيقاف رفع التجاوزات في المحافظة، فيما تضامن مع العيداني.
وقال في بيان إن «اتحاد مقاولي البصرة يعلن عن تضامنه ومساندته لمحافظ البصرة أسعد العيداني، الذي دأب على رسم ملامح جديدة لمحافظة البصرة بعد ان شوهتها القرارات غير المسؤولة والانفعالات الانتخابية والتي كان نتاجها تحول عروس الخليج الى خربة تغص بالعشوائيات وساحة للقتال بكل أنواعه ومسرحاً مفتوحاً للجريمة بكل أنواعها».
وأضاف أن «العيداني انتشل البصرة من مستنقع البؤس وأوصلها الى بر الأمان بعد ان تعامل مع القضايا والأزمات بنفس رجل القانون والدولة»، معتبرا أن «توجيهات رئيس الوزراء في هذا الوقت الانتخابي بالتحديد هي نغمة اعتدنا على سماعها، حيث كنا نأمل ان يجد حلولاً للعشوائيات التي أوقفت معظم المشاريع وتم حلها من خلال تعاون الحكومة المحلية مع المقاولين الذين عوضوا ساكني العشوائيات على حسابهم الشخصي ومن أرباحهم الخاصة دون وجود أي دور لحكومة المركز والسيد السوداني، حيث كان دور حكومة المركز مقتصرا على إيقاف تمويل مشاريع البصرة لأغراض سياسية».
ووفق المالكي فإن «اتحاد مقاولي البصرة يستنكر توجيهات رئيس الوزراء ويعتبرها الوجه الآخر لمحاولة إيقاف مشاريع البصرة التي لم تتوقف بقطع التمويل عنها، ويعلن تضامنه المطلق مع محافظ البصرة المهندس أسعد العيداني الذي لولا ثقة المقاولين بقيادته لتوقفت جميع المشاريع».
وأشار إلى أن «اتحاد مقاولي البصرة يجدد مطالبته للسوداني بدفع ديون محافظة البصرة التي تقدر بنحو 44 ترليون دينار، فضلاً عن مطالبته بالمصادقة على خطة مشاريع عام 2024 التي ما زلنا نجهل مصيرها».