الوثيقة | مشاهدة الموضوع - أما من ناصر ينصر غزة على الجوع والقتل؟ : مثنى عبد الله
تغيير حجم الخط     

أما من ناصر ينصر غزة على الجوع والقتل؟ : مثنى عبد الله

مشاركة » الثلاثاء أغسطس 19, 2025 5:27 pm

يصف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية غزة، بأنها (أكثر الأماكن جوعا على وجه الأرض)، ويضيف أن (الوقت ينفد بسرعة كبيرة، والأرواح تُزهق كل ساعة). فمن ينصر غزة على الجوع والموت الذي بات حتميا؟
قد يكون الجواب المُعتاد على هذا السؤال هو، أن الحل بيد المجموعة الدولية، بكل قواها الفاعلة من أمريكيين وأوروبيين، فهؤلاء هم من يملكون القوى الناعمة والصلبة، التي بها يمكن أن يضغطوا على السلطات المُجرمة في إسرائيل، كي تغير من طريقة مقاربتها وتعاملها مع سكان غزة. لكن التصريحات التي سمعها العالم من مسؤولين إسرائيليين سابقين وحاليين، تؤكد أن هذه الجريمة المُرتكبة وغير المسبوقة التي يعانيها أهلنا في غزة الباسلة، إنما هي ورقة ضغط من أجل إرغام الناس على ترك أرضهم تحت ذريعة استئصال حركة حماس. وهو تحد واضح ترفعه الحكومة الإسرائيلية في وجه المجتمع الدولي. هذا المجتمع الذي بدا عاجزا تماما عن ممارسة الضغوط الضرورية، من أجل تغيير الوضع القائم في كل فلسطين، خاصة في قطاع غزة.
صحيح أننا سمعنا أحاديث من الأوروبيين، بأنهم سيعملون على إعادة النظر في الشراكة الاقتصادية مع الكيان الصهيوني، كما كان هناك حديث أمريكي عن ضرورة تغيير الصورة الكارثية في غزة الباسلة، لكن الحقيقة، أن كل هذه التصريحات هدفها امتصاص نقمة الرأي العام، وأن ساكن البيت الأبيض ما زال لحد الآن، ليس لديه الإرادة السياسية القوية والحقيقية، لممارسة الضغط المطلوب على نتنياهو، بحيث يفرض عليه حلا سياسية يضع نهاية حقيقية لهذه الجريمة. وهذا يبدو لنتنياهو ضوءاً أمريكيا أخضر، للمضي قُدما في هذه الإبادة الواضحة المعالم لأهلنا في فلسطين، لذلك إسرائيل اليوم تبحث عن طرق جديدة للحرب على غزة، وما تمارسه من خلال حرب المجاعة، إنما هو نوع آخر من الحرب، تعتقد من خلاله مضاعفة الضغط على السكان لجمع المزيد من المعلومات، خاصة معلومات عن الأسرى الإسرائيليين، وأماكن وجود مقاتلي حماس ومن يتبعهم، لضمان عدم وصول المساعدات إليهم، ومن ثم تحقيق الهدف الأساس وهو، تهجير السكان الغزيين وطرد حماس من القطاع، لذلك رأينا كيف أن السلطات الإسرائيلية عملت على تخوين منظمة الأونروا، ونزع شرعيتها، في سبيل تمهيد الطريق لمؤسسة غزة الإنسانية، التي تدعمها هي والولايات المتحدة، والتي لم تنجح في عملها، ليس بسبب عدم الكفاءة وحسب، ولكن لأنها ليست محايدة، على اعتبار أنها تخضع لإسرائيل، التي هي طرف في هذه الكارثة. كما أنها ليست ممولة من أطرف محايدة أيضا، لذلك تحدثت الأمم المتحدة عن أن ما دخل من مساعدات بواسطة هذه المؤسسة هو نقطة في بحر.

نتنياهو والقيادة اليمينية المحيطة به، يلعبون في ملعب مريح سياسيا، لأن فكرة تهجير الفلسطينيين من غزة، جاءت من البيت الأبيض أصلا

إن المواقف الأمريكية الضبابية مما يحصل في غزة، على الرغم من كل الانشقاقات التي حصلت بين ترامب ونتنياهو، وعلى الرغم من كل الاعتراضات الصادرة عن الأمم المتحدة ودول كثيرة أخرى، ما هي إلا محاولة أمريكية لتلميع صورة إسرائيل أمام المجتمع الدولي، خاصة في الأونة الأخيرة، التي اتهمت فيها إسرائيل بأنها تمارس سياسة التجويع في غزة. وهي محاولة أمريكية مفضوحة للمساهمة في تحقيق الأهداف الأبعد لإسرائيل، وهي أهداف لطالما كانت مبطنة. فإسرائيل تسعى اليوم لشراء الوقت، من أجل أن يتهرب نتنياهو من المحاكمات المطلوب فيها، خاصة أن أئتلافه الحكومي بات معرضا للانهيار.
إن حديث البعض عن أن الضغوط الدولية، الأمريكية والأوروبية والعربية، لن تقود نتنياهو للاستسلام، وأن العنصر الوحيد الذي يمكن أن يغير مجرى الأحداث في غزة هو الضغط الإسرائيلي الداخلي، إنما هي أضغاث أحلام، صحيح أن بعض الأصوات بدأت ترتفع لتوجه أصابع الاتهام بطريقة واضحة إلى نتنياهو، وتبين أن هذا المجرم أجندته المُعلنة والمُبطنة هي إبادة شعب غزة، وأنه يجب أن يغادر المنصب، لكن نتنياهو والقيادة اليمينية المحيطة به، يلعبون في ملعب مريح سياسيا، لأن فكرة تهجير الفلسطينيين من غزة، جاءت من البيت الأبيض أصلا. فعندما استقبل ترامب نتنياهو في البيت الأبيض، كانت كل المُداخلات الإعلامية للرئيس ترامب تتحدث عن فكرة واحدة وهي، أن يُرحّل الفلسطينيون إلى أماكن أخرى، ريثما يتمكن من إعادة بناء غزة. واليوم يلعب نتنياهو على هذه الفكرة، كما يلعب أيضا على ثقافة اليمين القومي المتطرف، الذي يحلم بأن إسرائيل ستتوسع وتسيطر على بلدان ومناطق أخرى، في إطار ما يسمى إسرائيل الكبرى، تلك التي يقولون إنها جاءت من الكتب الدينية التي تعتمدها إسرائيل.
إذن تبدو فكرة التشنجات والتصدعات الداخلية الإسرائيلية، التي يراهن البعض عليها في وقف المجزرة بحق أهلنا مجرد أوهام. إن السياسات العنصرية الإسرائيلية ما زالت هي هي منذ نشأة هذا الكيان الغاصب وإلى اليوم. فكل الحكومات التي توالت على السلطة في إسرائيل، كانت تحمل النوع نفسه من التطرف والعدائية والكره لشعبنا في فلسطين، ودائما كان هناك من هو أكثر تشددا من الآخر، بالتالي حتى لو كان هناك فعلا معارضة داخلية، أو محاولة فعلية لإسقاط حكومة نتنياهو، أو إحالته إلى القضاء بالتهم المعلن عنها، فإن هذه الجريمة في غزة لن تنتهي بين ليلة وضحاها. كما أن النهج الإسرائيلي تجاه حماس، أو تجاه إعطاء الفلسطينيين حقوقهم لن يتغير أبدا. وهنا علينا أن ننظر إلى المشهد بشكل أوسع، فالولايات المتحدة هي من تريد أن يتحقق التغير الفعلي في فلسطين، بأن لا يكون هناك وجود لأي فصيل فلسطيني مقاوم للاحتلال.
بالتالي هناك مشروع يقوم على منح إسرائيل الضوء الأخضر لإحداث ما تريد أن تحققه في المناطق، التي لا تزال خارج الاحتلال، على الرغم من محدوديتها.
إن الجهود الدبلوماسية والضغوط الدولية، والحديث المتواتر اليوم من بعض الدول عن موضوعة الاعتراف بدولة فلسطين، نعم قد تكون هذه الأساليب والأوراق هي السبيل في إنهاء الحرب، لكن البعض مكياله غير عادل، حين يرفق هذه الأفكار بفكرة أن النضال الفلسطيني كان غير مبررا، وكان هو المبرر لاستمرار الجرائم الإسرائيلية بحق أهلنا، وأن غزوة السابع من أكتوبر كانت مجرد شطحة فكرية من حماس، ثم يطرحون معادلة ذات خطين متوازيين، وهي أن تعمل الفصائل الفلسطينية على إعادة النظر بنهجها المقاوم، وأن لا تعطي إسرائيل المبرر في المضي قُدما في ما تقوم به الآن، يرافق ذلك ضغط دولي وضغط أمريكي يكون في نهاية المطاف تتويجا لكل هذه الجهود. وتبقى المفارقة الكبرى هي أن لا أحد يتحدث عن حق شعب في العيش بسلام على أرضه ويحقق دولته المستقلة.
كاتب عراقي
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات