غزة – «القدس العربي»: جلس النازح أحمد حمودة أمام خيمته، متكئًا على ذراعه، وقد أثقل التفكير عقله كباقي سكان ونازحي مدينة غزة، بعد تهديدات الجيش الإسرائيلي بترحيل سكان المدينة، الذين يزيد عددهم عن مليون مواطن، إلى مناطق جنوب القطاع، كخطوة أولى لبدء هجوم بري واسع، بناءً على القرار الذي اتخذه المجلس الوزاري الإسرائيلي، وشرع الجيش في وضع خطط تنفيذه.
في منطقة نزوحه وأسرته غرب مدينة غزة، حيث تنتشر الخيام المهترئة بفعل العوامل الجوية على مساحات واسعة غطت الساحات العامة والمفترقات وأطراف الشوارع الرئيسية والفرعية، أثقلت الهواجس تفكير النازحين وسكان تلك المناطق، ولم يعد لديهم القدرة على اتخاذ قرار مناسب في هذا الوقت، بعد أن بلغت تهديدات جيش الاحتلال مرحلة خطيرة تنذر بقرب الهجوم البري الكبير على المدينة، خاصة وأن تلك القوات شرعت منذ أيام بحملة عسكرية على حي الزيتون جنوب شرق المدينة، لتلحقها بالحملة العسكرية على المناطق الشرقية، ومن قبلها بلدات شمال القطاع.
أيّ مصير؟
يقول حمودة، الذي نزح مع عائلته من شمال القطاع، وعانى ويلات النزوح القسري منذ بداية الحرب أكثر من 10 مرات، بينها ثلاث مرات بعد استئناف إسرائيل عدوانها في مارس الماضي، إنه لا يعرف ما الذي يجب فعله الآن: هل يبدأ بالنزوح ويفك خيمة أسرته ويتجه إلى جنوب القطاع، أم ينتظر صدور أوامر النزوح الفعلية. ويضيف لـ»القدس العربي»: «مناطق النزوح غرب مدينة خان يونس مليئة بالكامل بالنازحين، ما في مكان للخيمة، ومناطق وسط القطاع مهددة بالإخلاء في المرحلة القادمة.. وين نروح وشو نعمل؟ الكل في حيرة».
ويخشى حمودة، البالغ من العمر خمسين عامًا، أن يضطر للنزوح مع أسرته عبر حاجز إسرائيلي كما حدث معه سابقًا، وفي حال حصار غزة وقطع الطريق بينها وبين الوسط والجنوب، لن يتمكن من حمل أمتعته ولا ما تبقى لأسرته من طعام، ويخشى أن تكون الأيام المقبلة أصعب مما مر به خلال الفترة الماضية من الحرب.
وفي غرب مدينة غزة، يتشارك النازحون في الخيام ومراكز الإيواء وسكان المنازل الشعور ذاته. فالتجربة الأخيرة التي مر بها سكان حي الزيتون، حيث بدأ جيش الاحتلال هجومًا مفاجئًا، تحمل دلالات كبيرة. ففي العملية العسكرية المستمرة، أُجبر السكان على النزوح تحت القصف والمجازر ونسف المنازل وتدميرها فوق رؤوسهم. وخلال الأيام الماضية واصل أهالي الحي النزوح القسري إلى مناطق ضيقة غربًا، وحاليًا يتوقعون نزوحًا جديدًا إذا بدأ الهجوم البري وفق الخطة التي أقرتها الحكومة الإسرائيلية.
تهديد إسرائيلي علني بالتهجير
ويقول محمد حبوش إن تهديدات إسرائيل الأخيرة أربكت حسابات السكان، مضيفًا لـ»القدس العربي»: «كنت أظن مثل كثيرين أن جهود الوسطاء أو ضغط الدول الأوروبية قد يوقف خطة احتلال غزة، لكن ما يجري يثبت العكس».
ويتابع حبوش أن ما فعلته إسرائيل أخيرا يؤكد أنها في حال نفذت المخطط ستجبر الجميع على النزوح، ولن تُبقي أحدًا، كما حدث قبل يناير الماضي. وهو ما سيضاعف معاناة السكان في مناطق النزوح الفقيرة بأبسط مقومات الحياة. وبحسرة يتحدث عن رحلات نزوحه السابقة، حيث كان يفك خيمته ويحملها مع أسرته وبعض الأمتعة على شاحنة صغيرة، قبل البحث عن مكان جديد لنصبها.
وحسب أرقام «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان»، تقوم قوات الاحتلال حاليًا بتسوية حي الزيتون جنوب شرق غزة بالأرض، بعد أن دمرت نحو 400 منزل عبر تفجيرها بروبوتات مفخخة وقصفها بالطيران الحربي، ضمن هجوم واسع النطاق يستهدف تدمير غزة على غرار ما جرى في رفح.
وتروي «أحلام م»، وهي سيدة في أواخر العشرينيات، مخاوفها كباقي النساء والأطفال من المستقبل القاتم، وقالت إنها تعيش رعبًا متزايدًا منذ بدء الهجوم على حي الزيتون، حيث ارتفع عدد النازحين غرب غزة مع اتساع القصف وأصوات التفجيرات الناجمة عن نسف المنازل، وأضافت: «الخوف زاد بعد تهديد الناطق باسم جيش الاحتلال (أفيخاي أدرعي)».
أدرعي يهدد
وكان أدرعي قد أصدر تصريحًا هدد فيه سكان غزة، وأعلن أنه بناءً على توجيهات المستوى السياسي، وفي إطار التحضير لنقل السكان من مناطق القتال إلى جنوب القطاع، سيجري اعتبارًا من أمس الأحد توفير خيم ومعدات إيواء عبر معبر كرم أبو سالم بواسطة الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية، بعد خضوعها لتفتيش دقيق من قبل سلطات الاحتلال.
وترافقت هذه التصريحات مع ما كشفته مصادر إسرائيلية بأن حكومة تل أبيب تعمل على بناء خيام في رفح، التي يسيطر الجيش على معظم أحيائها، تمهيدًا لنقل سكان غزة إليها، بعد أن هدم منازلها خلال الحرب السابقة، ونقل الركام إلى مناطق أخرى، تنفيذًا لمخطط إقامة «مدينة إنسانية» هناك، كجزء من الترحيل القسري.
تنديد فلسطيني
وقالت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» إن اعتزام رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير المصادقة على خطط احتلال مدينة غزة وتسريع العمليات العسكرية فيها هو «إعلان عن البدء بموجة جديدة من الإبادة الوحشية وعمليات التهجير الإجرامي».
وأضافت الحركة في بيان، إن «اعتزام رئيس أركان جيش الاحتلال الإرهابي المصادقة اليوم على خطط احتلال مدينة غزة وتسريع العمليات العسكرية فيها، هو إعلان صهيوني عن البدء بموجة جديدة من الإبادة الوحشية وعمليات التهجير الإجرامي لمئات الآلاف من سكان مدينة غزة والنازحين إليها».
وتابعت أن «هذا الإعلان الإجرامي في ارتكاب جريمة حرب كبرى في مدينة غزة يجسّد الصورة الأوضح للعنجهية الصهيونية، واستهتارها بالقوانين الدولية، وإصرارها على المضي في حرب الإبادة المستمرة منذ أكثر من 22 شهراً، وذلك بغطاء أمريكي إجرامي، ووسط صمت وعجز دولي مخز».
وأردفت: «كما أن الحديث عن إدخال خيام إلى جنوب قطاع غزة تحت عناوين الترتيبات الإنسانية يعد تضليلا مفضوحا يراد منه التغطية على جريمة وحشية يتهيأ الاحتلال لتنفيذها في وقت تؤكد الأمم المتحدة رفضها لخطوات الاحتلال في هذا السياق باعتبارها تفتقر إلى أدنى المعايير الإنسانية، وتمثل استخداما إجراميا لوسائل الضغط الإنساني على المدنيين، لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية»».
وأشارت الحركة، إلى أن «ما يجري في غزة ليس معزولا عن الضفة الغربية، حيث تتواصل الاقتحامات اليومية، واعتداءات المستوطنين المسلحة، وحرق الممتلكات، في مشهد يعكس وحدة المشروع الصهيوني القائم على طرد الفلسطينيين من أرضهم وسلب حقوقهم، وصولاً إلى تهويد المقدسات الإسلامية والمسيحية».
وتابعت: «كما تترافق خطوات ومحاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته لتهجير شعبنا واقتلاعه من أرضه مع الكشف الصريح عن نواياه الحقيقية بإقامة ما يسمى بإسرائيل الكبرى على حساب الأردن ومصر وسوريا ولبنان والعراق وغيرها».
وندد رئيس «المجلس الوطني الفلسطيني» روحي فتوح بخطة التهجير القسري، وقال في تصريح صحافي: «إعلان الاحتلال إدخال خيام ومعدات إيواء إلى جنوب غزة لتجميع النازحين من غزة ليس سوى غطاء لمجزرة أكبر»، مؤكدًا أن ذلك يشكل «تحديًا صارخًا للقانون الدولي وخرقًا لكل المواثيق والقيم الإنسانية». وحذّر من تورط أي مؤسسة دولية في تسهيل النزوح تحت غطاء إنساني خادع فيما يسمى «مناطق إنسانية» أو «حزام ميراج الأمني» في رفح، لما يمثله ذلك من شراكة في مؤامرة التهجير.