عبد الباري عطوان
تَقدَم مجموعة من النواب والسياسيين اللبنانيين امس بشكوى قضائية للنائب العام ضد الشيخ نعيم قاسم أمين عام “حزب الله” بسبب ما جاء في خطابه القوي الأخير برفض مطلق لتسليم سلاح المقاومة، واتهام الدولة اللبنانية بتسليم البلاد لـ”إسرائيل”.
ad
هذه الخطوة ليست سابقة قضائية وسياسية معا، وانما تشكل تمهيدا للحرب الأهلية، بتوفير الغطاء الشرعي القانوني لها، ولقرار الدولة ممثلة برئيسي الجمهورية والوزراء بتكليف الجيش بنزع سلاح حزب الله بالقوة تنفيذا للورقة الامريكية الإسرائيلية وقبل نهاية هذا العام.
هذا القرار باللجوء الى القضاء لمحاكمة أمين عام حزب المقاومة في البلاد جاء بعد اجتماع انعقد مساء يوم امس الثلاثاء في مكتب النائب الحالي والوزير السابق في حي الأشرفية في العاصمة اللبنانية لدراسة خطاب الشيخ نعيم، وإصدار بيان في أعقابه يتهم الحزب بإثارة النعرات الطائفية وبما يُعرِض البلاد للحرب الاهلية، واتخاذ قرار بالذهاب الى القضاء، ومواصلة الاتصالات مع النواب وقيادات حزبية أخرى تقف في الخندق نفسه، في خطوة أولية لتشكيل جبهة مضادة للمقاومة.
ad
***
سلاح المقاومة سلاح شرعي، يحظى وجوده واستمراره بأبرز بنود اتفاق الطائف الذي استثناه ونص حرفيا على وجوده لمواجهة العدوان الإسرائيلي المتكرر على لبنان، وعلى عكس أسلحة الميليشيات الأخرى التي أمر بنزعها باعتبارها خطرا على أمن لبنان واستقراره.
نحن امام مخطط لتسريع الحرب الاهلية اللبنانية وتحشيد القوى السياسية والنيابية والقضائية لدعم قرار الحكومة لإشعال فتيل حرب نزع سلاح المقاومة التزاما بالورقة الامريكية التي قدمها المبعوث الأمريكي توماس براك الى الرئاسات اللبنانية الثلاث للدولة والحكومة والبرلمان.
انها بداية تحول استراتيجي لبناني خطير جدا يبدأ بتجريم سلاح المقاومة وتجفيف مصادر تمويلها داخليا وخارجيا، وفرض حصار حدودي مشدد لمنع وصول أي امدادات عسكرية لها، عبر الأراضي السورية خاصة، ولم يكن من قبيل الصدفة ان يتم اليوم اعلان اعتراض السلطات السورية لشحنة صواريخ إيرانية كانت في طريقها الى “حزب الله” في لبنان.
لم يكن من قبيل الصدفة أيضا ان يأتي التقسيم السياسي والترابي الجديد، وإشعال اول شرارة للحرب الاهلية الجديدة من الاشرفية، المنطقة نفسها التي انطلقت منها شرارة الحرب الاهلية الأولى، فالتاريخ الدموي يعيد نفسه للأسف، مع فارق أساسي، ان الحرب الأولى كانت لنزع سلاح المقاومة الفلسطينية المدعومة من القوى الوطنية اللبنانية، اما الثانية فستكون ضد مقاومة لبنانية صرفة، انتصرت على دولة الاحتلال مرتين، الانتصار الأول بتحرير جنوب لبنان بالكامل، والثاني لصد الغزو الإسرائيلي في حرب تموز (يوليو) عام 2006.
***
من يريد نزع سلاح “حزب الله” وجر البلاد الى حرب أهلية ينسى هذين الانتصارين الأبرز والاشرف في تاريخ لبنان والمنطقة، مثلما ينسى أيضا ان سلاح المقاومة هذا لم يوجه مطلقا الى الشعب اللبناني، وانما الى صدر العدو ولتحرير الأرض، والأهم من ذلك انهم ينسون أيضا ان نواب حزب الله، وحركة امل هم الذين جاءوا بالرئيس اللبناني جوزيف عون الى قصر بعبدا الذي ظل فارغا لما يقرب من العامين، واعطوا الثقة لحكومة رئيس الوزراء الحالي نواف سلام الذي يعتبر من أكثر المتحمسين لنزع سلاح المقاومة.
الأصوات التي تتعالى الآن لمحاكمة الشيخ نعيم قاسم، وتوفير الغطاء “الشرعي” و”السياسي” لنزع سلاح “حزب الله” لم تنتصر في الحرب الاهلية الأولى، ولن تنتصر في الثانية التي تمهد الطريق اليها بغطاء امريكي صهيوني، لانها ستكون حرب “كربلائية” مثلما هدد الشيخ نعيم في خطابه التاريخ، أي النصر او الشهادة، فسلاح المقاومة “مقدس” ولا يطلق رصاصة الا لأهداف مقدسة على قمتها حماية لبنان وسيادته والتصدي لأي احتلال إسرائيلي.. والأيام بيننا.