الوثيقة | مشاهدة الموضوع - كيف اجبر الرئيس الأمريكي قادة اوروبا على الانصياع لأوامره؟ ما الفرق بين الصورة التي انتشرت عن لقائهم في واشنطن وصور الرئيس الروسي في ألاسكا؟ د. سعد ناجي جواد
تغيير حجم الخط     

كيف اجبر الرئيس الأمريكي قادة اوروبا على الانصياع لأوامره؟ ما الفرق بين الصورة التي انتشرت عن لقائهم في واشنطن وصور الرئيس الروسي في ألاسكا؟ د. سعد ناجي جواد

مشاركة » الأربعاء أغسطس 20, 2025 2:58 pm

انتشرت على مواقع التواصل الإجتماعي يوم امس صورة لقادة أوروبا يتقدمهم الرئيس الفرنسي، وهم يجلسون في صف واحد وكأنهم في غرفة انتظار احدى المستشفيات او في عيادة طبيب او طلاب مدرسة في انتظار ان يسمح لهم المدير بالدخول، وكتب عليها (صورة للتاريخ). الصورة كانت مفبركة (فوتوشوب)، ولكن فكرتها كانت صحيحة مائة بالمائة. من تخيلها كان بالتأكيد قد لاحظ المنظر (المُذل) الذي ظهر به هؤلاء القادة وهم يجلسون مع الرئيس الأمريكي حول الطاولة ويستمعون له وهو يوزع عليه الإطراءات الكاذبة، بعد ان أتوا صاغرين ليصادقوا على ما اتفق عليه هو والرئيس الروسي بوتين مسبقا، وأكثرهم اثارة للشفقة والسخرية معا كان (دونكيشوت) اوكرانيا الرئيس زيلينسكي، بابتساماته الفرِحة بالتنازلات المهينة التي اُجبِرَ على قبولها وابتلاعها رغما عنه.
ربما أفرحت هذه الصورة الكثير من قادة منطقتنا الدين انتُقِدوا على قبولهم بالطريقة التي اجبرهم فيها الرئيس ترامب على تقديم المليارات له بدون مقابل، وسيشعرون براحة نفسية مرددين مع انفسهم (نحن فعلنا ما فعلناه بسبب عدم قدرتنا على مواجهة الجبروت الامريكي، ولكن ما هو عذر دول اوروبا التي تتفوق مجتمعة اقتصاديا وعسكريا على الولايات المتحدة؟)
ad
لقد كان واضحا ان الامر لا يتعلق بالقدرات ولا بالحاجة إلى واشنطن، وإنما بالاستعداد للقبول بالإهانة والتبعية، وبالذات فيما يخص الرئيس الفرنسي، الذي حاول منذ وصول الرئيس ترامب للسلطة ان يظهر بمظهر المتحدي خاصة فيما يخص بمسالة الاعتراف بدولة فلسطين وانتقاد المجازر وحرب الإبادة في غزة. هؤلاء القادة، ومنذ ان اعلن ترامب على انه سيعمل على إيقاف الحرب في أوكرانيا، وان على الأخيرة ان ترضى بالتنازل عن الأراضي التي سيطرت عليها القوات الروسية، وقفوا معارضين وقدموا لاوكرانيا مئات المليارات من المساعدات العسكرية والاقتصادية لكي يدفعوها للمضي قدما في الحرب ضد روسيا، وبالضد من كل آراء الخبراء العسكريين الذين كانوا يقولون ان أوكرانيا تخوض حربا خاسرة، ومع ذلك جلسوا مع الرئيس ترامب ليعلنوا ان وقف الحرب امر ضروري، وقالوا، مع تمنع وباستحياء، انه يجب ان تكون هناك (ضمانات امريكية) لحماية أوكرانيا او تعهدات روسية بعدم مهاجمتها ثانية. وهذا المطلب مضحك بحد ذاته لان الرئيس بوتين قال منذ بداية الأزمة التي سبقت الحرب ان روسيا لن تقبل بانضمام أوكرانيا إلى الناتو، ولما بدأت واشنطن التحضيرات لإدخال كييف إلى الحلف هاجمها بوتين، وكانت النتيجة في النهاية ان قبل الجميع بشرط بوتين، وعلى رأسهم زيلينسكي، الذي اضطر إلى إنهاء مغامرته، بعد كل ما نتج عنها من خسائر بشرية ومادية هائلة، والقبول بفقدان خمس الأراضي الاوكرانية ونسيان جزيرة القرم إلى الأبد.
لقد كانت هذه الحرب مثال على الغباء السياسي الأمريكي والأوربي والأوكراني. فأولا ان عدم حدوثها لم يكن يتطلب سوى تعهد بسيط من أوكرانيا بعدم الدخول في الحلف الأطلسي، وثانيا إغرائها امريكياً وأوربيا بتحدي القوة العسكرية الروسية الهائلة. صحيح ان الجيش الروسي تعرض لنكسات عديدة وحرجة، ولكنه بالنتيجة استطاع ان يعيد ترتيب أوضاعه ويصحح مساره، ثم بدأ منذ شهور قليلة بالتقدم بسرعة في مناطق شرق أوكرانيا والسيطرة على اجزاء غير قليلة منها وضمها إلى روسيا عنوة. والاهم من ذلك هو مظهر المنتصر الذي ظهر به الرئيس بوتين في لقاءه مع ترامب، وكيف اجبره على التعامل معه باحترام وفرش له البساط الأحمر واستقبله بشوشا ومصفقا له.
هناك من يقول ان الرئيس الأمريكي حاول ان (يُهين) نظيره الروسي في بعض الحركات، مثل ان البساط الأحمر الذي مده افراد من الجيش الامريكي للرئيس بوتين كان اصغر من ذلك الذي مُدَ للرئيس ترامب وان طائرات الشبح المقاتلة المتطورة ظلت تحوم وبصورة منخفضة وملفتة للنظر فوق الرئيس الروسي وهو يسير على ارض المطار مما اثار انتباهه، وان الرئيس الأمريكي الذي وصل المطار قبل وصول نظيره الروسي ظل جالسا في طائرته حتى وصل بوتين ونزل من الطائرة، إلا ان كل هذه الحركات لم تغير من لحظة ونشوة الانتصار التي شعر بها الرئيس الروسي منذ لحظة الوصول وأثناء المحادثات وفي المؤتمر الصحفي، ولم يقدم اي تنازل او وعد بوقف الحرب قبل ان تعلن أوكرانيا بانها راضية بالنتيجة.
ad
ومع ذلك تبقى هناك عقبات لإنهاء الحرب في أوكرانيا. اول العقبات هي الحوار المباشر الذي يرغب ترامب ان يراه بين بوتين وزيلينسكي. الرئيس الروسي أعطى وعدا شفهيا باستعداده للجلوس مع نظيره الاوكراني، لكن وزير الخارجية الروسي لافروف سرعان ما قلل من احتمالية حدوثه بقوله ان هذا الامر يجب ان يكون تدريجيا، ويجب ان تسبقه اجتماعات لجان مختصة لوضع الترتيبات لتفاهمات نهائية. كما قيل ان بوتين اخبر نظيره الامريكي انه مستعد لاستقبال زيلينسكي في موسكو والتحدث معه، وهو ما قد يتردد الاخير في فعله خوفا من رد الفعل الشعبي الاوكراني، الذي سيسأله عن سبب اصراره على الحرب ثم قبوله بالذهاب مهزوما إلى موسكو، كما انه هناك تشجيع بريطاني -فرنسي-الماني له لرفض ذلك . وبالتالي فان المحادثات المباشرة قد لا تتحقق. وهذا ما سيقود إلى العقبة الثانية المتمثلة بعدم رضى قادة اوروبا عن ما آلت اليه خطة الرئيس الأمريكي بشان إيقاف الحرب، فعلى الرغم من انهم اضطرّوا للذهاب إلى واشنطن صاغرين، إلا انهم يشعرون ان ما يقوم به الرئيس ترامب هو من اجل مصلحته الشخصية، وان هدفه الأساسي هو الحصول على جائزة نوبل للسلام، (ولا يهم في ذلك إذا ما استمر بمطالبة مجرم الحرب نتنياهو بان يستعجل في إبادة غزة)، والاهم ان هكذا حل سيجعلهم ملزمين بإلغاء العقوبات القاسية التي فرضوها على روسيا، وبالتالي فان الأخيرة ستكون مرة اخرى القوة الاكبر في اوروبا، وهذا ما لا يمكن ان يهضمونه بسهولة. وهذا ما ظهر في تصريح ماكرون الذي وصف به بوتين بانه ( مفترس وغول على اعتاب بابنا)، والمستشار الألماني وصفه بانه (لا يمكن الوثوق به أبدا)، وشككوا في إمكاني قبوله بوقف إطلاق النار في الوقت الذي تحقق فيه قواته انتصارات على ارض المعركة. ومما زاد من مخاوفهم هو عدم اعطاء ترامب اي ضمانات لكبح جماح روسيا او إرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا، كل الذي وعد به هو تسخير القوة الجوية الأمريكية إذا ما حدث وان تراجعت روسيا عن تعهدها و هاجمت أوكرانيا ثانية.
نعم لقد افشل الرئيس بوتين مؤامرة كبيرة لاضعاف روسيا وتركيعها، والان ستبدأ مرحلة استعادة مكانتها الكبرى في اوروبا والعالم، وان مخططي الاستراتيجيات الاوربيين سيبدأون العمل على ايجاد نقاط ضعف جديدة في النظام الروسي لإقلاقه. اما الرئيس الأمريكي فلقد حقق صفقة تجارية مربحة جديدة، كانت اول بوادرها السيطرة على المعادن الثمينة في أوكرانيا وآخرها عقد أوكراني جديد اخير بشراء أسلحة امريكية ب90 مليار دولار!
حرب أوكرانيا ستبقى نموذجا اخراً على محاولات الدول الكبرى استخدام الدول الأصغر، او بالأحرى على استعداد قادة تلك الدول لتدمير بلدانهم وتعريض ابنائها للقتل والتشريد خدمة لمخططات لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
وسيبقى المثل القائل (ما اكثر العبر وما اقل المعتبرين) يتردد بدون ان يعيه غالبية هؤلاء القادة.
كاتب واكاديمي عراقي
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات

cron