لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرًا أعده لوك برودووتر وديفيد إي سانغر، قالا فيه إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يريد اتفاقية نووية مع إيران، لكن يجب أن تكون أفضل من تلك التي وقعها الرئيس باراك أوباما.
وقالا إن ترامب عندما بدأ حملته الرئاسية الأولى في عام 2016 سُئل عن الكيفية التي سيتعامل فيها مع أكثر قضايا الأمن القومي تعقيدًا في العالم، وكان لدى المرشح في حينه ترامب صيغة بسيطة لتخفيض مستوى البرنامج النووي الإيراني، حيث قال إنه كان ينبغي لفريق باراك أوباما التفاوضي أن ينهض من على الطاولة ويغادر. وبعدها كان الإيرانيون سيأتون متوسلين.
وأخبر ترامب مراسلين من صحيفة “نيويورك تايمز”: “إنه اتفاق كان من الممكن أن يكون أفضل بكثير لو انسحبوا منه مرتين”، و”لقد تفاوضوا بشكل سيء للغاية”.
السناتور جيم ريش: سيتفاجأ الإيرانيون عندما يكتشفون أنهم لا يتعاملون مع باراك أوباما أو جون كيري. هذه لعبة مختلفة تمامًا
واليوم وقد أصبح الإيرانيون أقرب بكثير لامتلاك القدرة على إنتاج سلاح نووي، وأكثر مما كانوا عليه عندما تم التفاوض معهم على اتفاق 2015. وهذا راجع لقرار ترامب الخروج من الاتفاقية النووية عام 2018. ولدى الرئيس اليوم فرصته لإظهار ماذا كان على أوباما وفريقه عمله.
وحتى الآن، تبدو الفجوة بين الجانبين هائلة. ويبحث الإيرانيون، على ما يبدو، عن نسخة محدثة من الاتفاق الذي تم التوصل إليه في عهد أوباما، والذي حد من مخزون إيران من المواد النووية.
أما الأمريكيون فيريدون تفكيك البنية التحتية الضخمة لتخصيب الوقود النووي، وبرنامج الصواريخ الإيراني، ووقف دعم طهران الطويل الأمد لـ “حماس” و”حزب الله” وقوى أخرى بالوكالة.
ويقف أمام كل هذه الطموحات الوقت، على حد قول الصحيفة.
ونقلت الصحيفة عن جين شاهين، السناتورة الديمقراطية عن نيوهامبشاير، وأبرز عضو ديمقراطي في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ، والتي وصفت قرار السيد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني بأنه “خطأ فادح”: “من الضروري أن نتوصل إلى اتفاق سريع”. وأضافت: “يتقدم البرنامج النووي الإيراني يوميًا، ومع اقتراب انتهاء صلاحية عقوبات سناب باك، فإننا معرّضون لخطر فقدان إحدى أهم نقاط نفوذنا”. وتتيح عقوبات “العودة للوراء” أو “سناب باك” الفرصة لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران بسرعة. ومن المقرر أن تنتهي في 18 تشرين الأول/أكتوبر.
وتقول الصحيفة إن ترامب يتعرض الآن لضغوط للتوصل إلى اتفاق أشد صرامة على إيران مما تم الاتفاق عليه في عهد إدارة أوباما. وهو ما سيكون بمثابة المقياس لمدى تحقيق ترامب أهدافه.
وللضغط، تهدد إدارته بالفعل بإمكانية شن ضربات عسكرية إذا لم تسر المحادثات على ما يرام، على الرغم من أنها لا توضح ما إذا كانت الولايات المتحدة أو إسرائيل أو قوة مشتركة ستنفذ تلك الضربات.
ووعدت كارولين ليفيت، السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، يوم الثلاثاء، بأنه سيكون هناك “ثمن باهظ” إذا لم يتفاوض الإيرانيون مع السيد ترامب. وقال السناتور جيم ريش، الجمهوري عن ولاية أيداهو ورئيس لجنة العلاقات الخارجية، في إشارة إلى وزير الخارجية الذي أشرف على المفاوضات الأمريكية: “سيتفاجأ الإيرانيون عندما يكتشفون أنهم لا يتعاملون مع باراك أوباما أو جون كيري. هذه لعبة مختلفة تمامًا”.
وتبدأ المفاوضات يوم السبت، مع ستيف ويتكوف، صديق الرئيس وزميله في تطوير العقارات في نيويورك، والذي يقال إنه يقود الفريق الأمريكي. ويتولى ويتكوف أيضًا إدارة المفاوضات بشأن غزة وأوكرانيا وليست لديه أي خبرة في تكنولوجيا تخصيب الوقود النووي المعقدة أو الخطوات العديدة لصنع القنبلة النووية.
والسؤال الأول الذي سيواجهه هو نطاق المفاوضات، فقد تناولت اتفاقية عهد أوباما البرنامج النووي فقط. ولم يمس القرار برنامج الصواريخ الإيراني، والذي كان يخضع لقيود منفصلة فرضتها الأمم المتحدة، والتي تجاهلتها طهران أو دعمها للإرهاب.
وقال مستشار الأمن القومي مايكل والتز إن الاتفاق الجديد مع إدارة ترامب يجب أن يناقش كل شيء ويجب تفكيك كامل البنى التحتية للبرنامج النووي الإيراني، وعدم تركها عاملة بوتيرة بطيئة، كما حدث في عام 2015، وفي لقاء مع برنامج “واجه الأمة” على شبكة سي بي أس بآذار/مارس، أوضح: “على إيران التخلي عن برنامجها النووي بطريقة يراها العالم أجمع”، وتحدث عن “تفكيك كامل”، وهو وضع من شأنه أن يترك إيران بلا دفاعات إلى حد كبير: لا صواريخ ولا قوات بالوكالة ولا طريق إلى قنبلة نووية. ومع أن ترامب تحدث، يوم الإثنين، أن المحادثات ستكون “مباشرة” إلا أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، نفى ذلك، وأكد أنها ستكون غير مباشرة في سلطنة عمان.
وفي مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست” أكد فيه أن بلاده مستعدة لمحادثات غير مباشرة مع الولايات المتحدة. ودعا الوزير الإيراني واشنطن إلى سحب التهديد العسكري ضد إيران عن طاولة المفاوضات.
وقال جيم والش، الباحث المشارك الأول في برنامج الدراسات الأمنية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: “من الواضح أنهم يقولون إنهم يريدون التحدث”. “ولكن هناك مفاوضات، ثم هناك استسلام. هل هذه قائمة مطالب أم سنتعرض لهجوم؟ هذا لن ينجح”. وأشارت الصحيفة إلى أن بيئة التفاوض تحمل مخاطر أعلى مما كانت عليه خلال إدارة أوباما.
فقد تقدم البرنامج النووي الإيراني منذ أن انسحب ترامب من الاتفاق السابق، واليوم تنتج إيران يورانيوم مخصبًا بنسبة نقاء 60%، أي أقل بقليل من درجة صنع القنبلة. وخلصت وكالات الاستخبارات الأمريكية إلى أن إيران تستكشف نهجًا أسرع، وإن كان أكثر بدائية، لتطوير سلاح ذري سيستغرق شهورًا، بدلًا من عام أو عامين، إذا قررت قيادتها الدخول في سباق على صنع قنبلة. وأضافت أن موقف إيران التفاوضي يبدو أضعف، ومن عدة نواحٍ. فقد دمرت إسرائيل دفاعات إيران الجوية التي تحمل منشآتها النووية في تشرين الأول/أكتوبر، إلى جانب تعرض جماعاتها بالمنطقة لضربات، وبخاصة “حزب الله” في لبنان و”حماس” في غزة.
ومع ذلك، هناك عوامل مهمة في المعادلة، فقد تستفيد إيران من علاقاتها مع روسيا، في وقت تحاول فيه الولايات المتحدة التفاوض معها لوقف الحرب في أوكرانيا. كما اتهمت وزارة العدل الأمريكية “الحرس الثوري” بمحاولة اغتيال ترامب، العام الماضي، وهو ما سيخيم على المفاوضات. كما أن هناك مسألة في قبول الجمهوريين وإسرائيل أي اتفاقية يتم التوصل إليها بين الطرفين، وقد تبدو أضعف مما تفاوض عليه أوباما.
دينيس جيت: أعتقد أن هذه المحادثات ستكون قصيرة الأجل وغير مثمرة… ويتكوف رجل عقارات من نيويورك، ويبدو أنه يعتقد أن الدبلوماسية هي مجرد عقد صفقة
ورجح دينيس جيت، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ولاية بنسلفانيا، ومؤلف كتاب عن الاتفاق النووي الإيراني، عدم تخلي ترامب عن خيار الضربات العسكرية، ما يجعل فرصة نجاح المفاوضات ضئيلة.
وأضاف: “أعتقد أن هذه المحادثات ستكون قصيرة الأجل وغير مثمرة”، مشيرًا إلى أن ويتكوف “رجل عقارات من نيويورك، ويبدو أنه يعتقد أن الدبلوماسية هي مجرد عقد صفقة. أنت تتفاوض ذهابًا وإيابًا وتوقع الاتفاق والأمر ليس بهذه البساطة”.
وحذر كريم ساجدبور، من وقفية كارنيغي للسلام العالمي، من أن يعمل فريق ترامب خارج نطاق ما يريد. وعلق قائلًا: “إنكم لا تتفاوضون على سعر نهائي أو صفقة كبرى، بل على قضايا فنية بالغة الأهمية مثل مستويات تخصيب اليورانيوم ومواصفات أجهزة الطرد المركزي وأنظمة التفتيش”. وأضاف: “هناك فرق شاسع بين القول بأن إيران لا يمكنها امتلاك سلاح نووي وبين وجوب تفكيك برنامجها النووي، كما حدث في ليبيا. هناك خطر من أن الجانب الأمريكي، الذي يفتقر حاليًا إلى خبرة واضحة وهدف نهائي محدد، سيتفوق عليه في المفاوضات الجانب الإيراني الذي يمتلك كليهما”.
ويعتقد سيد حسين موسويان، خبير الأمن والسياسة النووية في الشرق الأوسط بجامعة برنستون، بأن فرص نجاح المفاوضات هي الانتهاء بنتيجة يقوم كل فريق بتسويقها للرأي العام الخاص به، وتقبل فيها طهران بعمليات تفتيش دورية، و”أفهم أن ستيف ويتكوف يريد عقد صفقة ولا يريد الحرب. ولديه نفس العقلية التي لدى ترامب”، و”عليه، أرى فرصة، لكن الواقع هو أن إيران والولايات المتحدة في حالة عداء مضى عليها 45 عامًا، والتوافق على شيء سيكون معقدًا”.