لندن- “القدس العربي”:
ناقشت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير لمراسلها باتريك كينغزلي، موجة الشجب الدولي من حلفاء إسرائيل الأقوياء والذين ترددوا في الانضمام إلى موجة الإدانة العالمية للحرب لأشهر. ويبدو أنهم باتوا يفقدون الصبر معها، وحتى إدارة ترامب بدأت تفقد صبرها.
ورغم التصريحات الغاضبة، إلا أن هذه الدول تواصل دعمها لإسرائيل عسكريا واقتصاديا واستخباراتيا، مما يدفع حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى مواصلة المسار الحالي للحرب في غزة.
وعلى مدى أكثر من 18 شهرا من الحرب، واجهت إسرائيل انتقادات شديدة من القادة الأجانب ومنظمات الإغاثة، لكنها نادرا ما واجهت إدانة علنية مستمرة، ناهيك عن تهديدات بعواقب ملموسة من حلفائها المقربين حتى الآن.
وفي الأسابيع الأخيرة، عبّر شركاء مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا عن استعداد كبير لممارسة ضغوط علنية على إسرائيل، وبلغت ذروتها بدعوة الرئيس ترامب يوم الأحد إلى تهدئة الحرب.
وقال ترامب للصحافيين في نيوجيرسي قبل صعوده إلى طائرة الرئاسة: “إسرائيل، لقد تحدثنا معهم، ونريد أن نرى ما إذا كان بإمكاننا وقف هذا الوضع برمته في أسرع وقت ممكن”.
وتتناقض هذه التعليقات مع الموقف العلني الذي اتخذه ترامب عند توليه منصبه في كانون الثاني/ يناير، عندما ألقى باللوم على حماس بدلا من إسرائيل في استمرار الحرب. كما حرص على إظهار جبهة موحدة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وجاء تدخل ترامب الأخير قبل ساعات من تعبير الحكومة الألمانية، الداعمة لإسرائيل عادة، عن انتقادها الشديد وغير المعتاد للهجمات الإسرائيلية الموسعة على غزة. وقال فريدريتش ميرتز، المستشار الألماني الجديد، خلال مقابلة تلفزيونية يوم الاثنين: “ما يفعله الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة الآن، بصراحة لا أفهم ما هو الهدف من التسبب في مثل هذه المعاناة للسكان المدنيين”.
وجاء هذا التحول الألماني بعد أيام من تدخل مماثل من الحكومة الإيطالية اليمينية، وهي حليف آخر لإسرائيل تجنب سابقا مثل هذه الإدانة الشديدة. وقال أنطونيو تاجاني، وزير الخارجية الإيطالي، في مقابلة نشرت على موقع وزارته الإلكتروني: “يجب على نتنياهو وقف الغارات على غزة. نحن بحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم حماس، والتي يجب أن تغادر غزة”.
بدورها، جاءت هذه التعليقات في أعقاب جهد منسق بين بريطانيا وكندا وفرنسا لانتقاد قرار إسرائيل توسيع عملياتها في غزة. وفي بيان مشترك صدر الأسبوع الماضي، قالت الدول الثلاث التي دعمت على نطاق واسع حق إسرائيل في الرد على الهجوم الذي قادته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، إن هذا التوسع “غير متناسب على الإطلاق”. وحذرت الدول الثلاث من عواقب وخيمة إذا لم تغير إسرائيل مسارها.
وعلقت بريطانيا منذ ذلك الحين مفاوضاتها التجارية مع إسرائيل. كما فرضت عقوبات على المتطرفين الإسرائيليين الذين يقودون جهودا لإجبار الفلسطينيين على مغادرة أراضيهم في الضفة الغربية المحتلة، وهي واحدة من أكثر خطواتها تأثيرا ضد المصالح الإسرائيلية منذ أن تخلت عن معارضتها العام الماضي لمذكرة التوقيف الصادرة بحق نتنياهو.
وعلى صعيد منفصل، تنظم فرنسا مؤتمرا، سيعقد في حزيران/ يونيو بالشراكة مع السعودية، لمناقشة إقامة دولة فلسطينية، وهو هدف تعهد نتنياهو بمعارضته.
ومع ذلك، فإن كل هذه البلدان التي أدانت حماس لتنفيذ هجمات السابع من أكتوبر، تواصل دعم إسرائيل بطرق عملية عديدة، ولا سيما من خلال الشراكات العسكرية والاقتصادية والاستخباراتية.
وتواصل الولايات المتحدة تزويد إسرائيل بمليارات الدولارات من المساعدات العسكرية، مما يُسهم في استمرار العمليات العسكرية في غزة.
وزارت وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية، كريستي نويم، إسرائيل يومي الأحد والاثنين، حيث التقت بنتنياهو وقادة آخرين، وحضرت حفل تكريم لاثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية اللذين قُتلا في هجوم بواشنطن الأسبوع الماضي.
وساعدت بريطانيا وفرنسا في حماية إسرائيل العام الماضي من وابل هائل من الصواريخ الباليستية الإيرانية، ومن المرجح أن تفعلا ذلك مرة أخرى.
علاوة على ذلك، لا تزال الدولتان حذرتين، وقد انتقدتا أحيانا بعض التحركات التي اتخذتها دول أخرى ضد إسرائيل، بما في ذلك السعي لاتهامها بالإبادة الجماعية.
لكن التحول في نبرة رسائلهما، إلى جانب بعض القيود العملية البسيطة على المصالح الإسرائيلية، يشير إلى أن أقوى شركاء إسرائيل بدأوا يفقدون صبرهم تجاه نتنياهو.
حتى الآن، يبدو أن إسرائيل لم تبد أي استجابة. وردا على التهديدات الأوروبية، قال جدعون ساعر، وزير الخارجية الإسرائيلي، إن بلاده ستتخذ “إجراءات أحادية الجانب” إذا اتُخذت خطوات أخرى ضد إسرائيل.
وفي غزة، واصلت القوات الإسرائيلية تقدمها، ويقول مسؤولون إن الجيش يسيطر الآن على ما يقرب من 40% من القطاع. وواصل الطيران الإسرائيلي قصف أهداف في غزة يوم الاثنين، بما في ذلك مدرسة حُوّلت إلى ملجأ، زعمت إسرائيل أن مسلحين استخدموها.
ورغم أن إسرائيل أنهت حصارا غذائيا دام 80 يوما، وسمحت بدخول بعض المساعدات إلى القطاع في الأيام الأخيرة، إلا أن الكثير منها لم يصل بعد إلى من هم في أمس الحاجة إليه، وفقا لوكالات الإغاثة. كما تمضي إسرائيل قدما في جهودها المثيرة للجدل لإعادة هيكلة توزيع الغذاء في غزة، والتي يقول المنتقدون إنها ستسرع من نزوح السكان من شمال غزة إلى جنوبها.
وظل نتنياهو مصرّا على موقفه، متهما بريطانيا وكندا وفرنسا بـ”تشجيع حماس”.
وفي خطاب ألقاه الأسبوع الماضي، خاطب قادتهم مباشرة، قائلا: “أنتم على الجانب الخطأ من الإنسانية، وعلى الجانب الخطأ من التاريخ”.
وداخل إسرائيل، ينظر إلى هذه الخطوات على أنها خطوة نحو العزلة الدبلوماسية.
وكتب إيتمار آيخنر، المراسل الدبلوماسي، في صحيفة “يديعوت أحرونوت” الأسبوع الماضي: “بعد 593 يوما من الحرب، وصلت إسرائيل إلى أدنى مستوياتها الدبلوماسية: إذ أقدم بعض من أهم أصدقائها في العالم -بريطانيا العظمى وفرنسا وكندا- على إصدار بيان يهدد إسرائيل بعقوبات إذا واصلت الحرب في غزة”.
وأضاف: “لم يسبق أن صدر بيان كهذا ضد إسرائيل، مما حولها إلى دولة منبوذة. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الولايات المتحدة، التي لطالما دافعت عن إسرائيل، التزمت الصمت”.