الناصرة – “رأي اليوم” – من زهير أندراوس:
ما من شكٍّ أنّ الأزمة المفتعلة والمُبتذلة بين الولايات المُتحدّة الأمريكيّة وربيبتها-حليفتها إسرائيل، لا تتعدّى كونها خلافًا تكتيكيًا ومحليًا بين صديقيْن حميميْن، وأنّه في نهاية المطاف الإدارة في واشنطن تعمل بكلّ ما أوتيت من قوّةٍ عسكريّةٍ وسياسيّةٍ من أجل الحفاظ على دولة الاحتلال، بصفتها رأس حربتها المُستقرّة في منطقة الشرق الأوسط.
قال معلّق الشؤون السياسية، في صحيفة (معاريف) العبريّة، بن كسبيت إنّه “ليس من السهل أنْ تكون “بيبيًا”؛ (أي من مؤيدي نتنياهو)”، مشيرًا إلى أنّ التحدي الفكريّ الأساسيّ يتمثل بتقديم دعمٍ أعمى لمن قاد إسرائيل إلى ما وصفها بـ “أسوأ الكوارث في تاريخها”، وتسبب في تدمير القيمة التي بُنيت عليها صورتها على مدى عقود، إلى جانب صعوبات الحياة اليومية التي تتجدد باستمرار، على حدّ تعبيره.
ad
علاوة على ذلك، أوضح الكاتب، الذي كان أصدر كتابًا عن سيرة حياة نتنياهو، أنّه في حين كانت تقدّم تفسيرات مفصلة مرفقة بعروض شرائح لإظهار أنّ إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة هو مجرد جسر يسبق تدخل شركة أمريكيّة، وأنّ ذلك جاء بسبب ضغط أوروبي وحاجة سياسية داخلية، فإنّ المساء جلب تأكيدًا رسميًا بأنّ المساعدات تمثل التزامًا قدّمته إدارة ترامب لحماس في إطار صفقة إعادة الأسير مزدوج الجنسيّة، عيدان ألكسندر.
وأشار كسبيت إلى أنّ نتنياهو يواصل تصوير مقاطع فيديو كاريكاتورية، على حد وصفه، للدفاع عن نفسه، مدعيًا أنّ إسرائيل على وشك احتلال قطاع غزة، وأنّ ترامب سيطرد العرب منه، بينما في المقابل نشرت صحيفة (واشنطن بوست) تقريرًا، نقلت فيه عن مصادر أمريكيّةٍ، أن إدارة واشنطن سئمت من إسرائيل نهائيًا، وستطردها إذا لم تُنهِ الحرب.
المُحلل السياسيّ أكّد أيضًا أنّ “العصابة التي استولت على الدولة”، والتي لديها “هواجس مسيحانية”، لا تتعلم من التجربة، مشددًا على أنّ تلك الجهات كانت تظن أنّ العالم سيمنح إسرائيل وقتًا غير محدود لتفعل في غزة ما يحلو لها، من دون أنْ يثور عليها.
ad
وانتقد كسبيت أداء نتنياهو في اتخاذ القرار، موضحًا أنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ استغرق وقتًا طويلاً لإقناع نفسه بقدرة الجيش على تنفيذ المناورة البرية في غزة، ثم عمد إلى تأجيلها.
ومضى قائلاً: “إنّ محاضر الجلسات تثبت أنّ بيني غانتس وغادي آيزنكوت طالبا، منذ وقتٍ مبكرٍ، بالتوجه جنوبًا نحو خان يونس ورفح، وشمالًا نحو الجبهة اللبنانية”.
وأضاف أنّ نتنياهو كان يراهن على عامل الوقت من أجل البقاء في السلطة، على حساب مصلحة دولة الاحتلال، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّ “مصلحة نتنياهو كانت أنْ يتم ذلك ببطءٍ، بينما مصلحة إسرائيل كانت أنْ يتم ذلك بسرعةٍ”، متسائلًا بشكلٍ ساخرٍ: “خمِّنوا ماذا اختار نتنياهو؟ مصلحته، طبعًا”.
ولفت إلى أنَّه بات يُنظر إلى إسرائيل على أنّها المعتدية وليست الضحية. وتحولت، في نظر الرأي العام العالميّ، إلى مَنْ يرتكب جرائم جماعية. وأضاف أنّ الحلفاء التقليديين بدأوا يتراجعون، وبعضهم يهدد بفرض عقوبات، مشيرًا إلى أنّه حتى إدارة ترامب بدأت تُظهر بوادر تخلٍّ عن إسرائيل”.
وتابع كسبيت إنّ: “نتنياهو لا يهتم”، هو يواصل الحفاظ على ائتلافه السياسي بدلاً من الحفاظ على الدولة، في وقت أصبح فيه كيان الاحتلال منبوذًا. وذكر أنَّ ترامب، والذي وصفه بـ “أعظم صديق لليهود منذ الملك كورش”، أقام وليمة دبلوماسية في الشرق الأوسط من دون دعوة إسرائيل، وأنّ نائبه جيه دي فانس ألغى زيارة تعويضية كانت مقررة في آخر لحظة.
ورأى المُحلّل في الختام أنّه في هذا التطوّر إشارةً واضحةً على أنَّ الأمريكيين أدركوا أنّ إسرائيل لا تفهم التلميحات، لذلك فهم باتوا يفكرون في استخدام العصا الغليظة، على حدّ تعبيره.
إلى ذلك، قال العميد في الاحتياط الاسرائيليّ تسفيكا حايموفيتش (قائد تشكيل الدفاع الجوي الإسرائيليّ سابقًا) إن لتل أبيب مصلحة واضحة في التعامل مع التهديد اليمني، وأضاف “في الوقت الذي نخوض حربًا متعددة الساحات بقيادة الأمريكيين وتحالف دولي، إلّا أنّ هناك خطًا فاصلًا دقيقًا بين الاحتواء وضبط النفس والرد والردع”.
ووفق حايموفيتش، الذي نشر مقالاً في موقع (WALLA) العبريّ، فإنّ “مفتاح حلّ العديد من القضايا يكمن في إنهاء الحرب في غزة وإطلاق سراح الأسرى. إنّ هذا من شأنه أنْ يؤدي على الفور إلى وقف إطلاق النار من اليمن (وليس القضاء على التهديد)، وتعزيز التطبيع مع السعودية، وهذا له قيمة هائلة في الرد الإقليميّ ضدّ اليمنيين، والسماح بالتركيز على القضية الإيرانية النووية، وربّما يسمح بتحقيق الترتيب الجديد على الحدود الشمالية مع لبنان وسورية”، على حدّ تعبيره.
وفي الختام وَجَبَ التأكيد أنّ ترامب وَمَنْ لفّ لفّه لن يجرؤوا على قطع حبل السرّة مع دولة الاحتلال، وأنّ ما يجري حاليًا هو مسرحيّةً كوميديّةً يقوم بدورها الرئيسيّ ترامب، والثانويّ نتنياهو، أوْ بالعكس، ولو كانت الضغوطات الأمريكيّة حقيقيّةً على إسرائيل، لكانت الأخيرة أوقفت عدوانها وجرائمها على قطاع غزّة فورًا، ولكن واشنطن وتل أبيب قد تختلفان تكتيكيًا، ولكن من رابع المُستحيلات أنْ يتحوّل الخلاف إلى إستراتيجيٍّ، ولذا فإنّ مَنْ يُعوِّل على أمريكا لا يُعوَّل عليه.