لندن ـ القدس العربي”:
نشر موقع “ميدل إيست آي” تقريرا أعده مراسله في واشنطن، شون ماثيوز، قال فيه إن الولايات المتحدة رفضت طلبا إسرائيليا يدعو للحفاظ على مزيد من القوات الأمريكية في شمال- شرق سوريا. ونقل الموقع عن مسؤولين أمريكيين حالي وسابق قولهما، إن إدارة الرئيس دونالد ترامب أوقفت مسعى من جماعة لوبي مؤيدة لإسرائيل كانت تعمل على منع سحب جزء من القوات الأمريكية في شمال- شرق سوريا، وذلك في محاولة منها للتخريب على التأثير التركي المتزايد في البلد. وفي الأسابيع الماضية، رفض إريك تراغر، مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، مطالب إسرائيلية ومسؤولين أكراد في شمال- شرق سوريا، قائلا إن الولايات المتحدة تنتقل من “دور عسكري إلى دور سياسي” في شمال – شرق سوريا، وأن سحب القوات الأمريكية سيستمر،حسب ما ذكرته مصادر لموقع “ميدل إيست آي” والتي تحدثت شريطة الكشف عن هويتها.
وقال مسؤول أمريكي سابق: “إسرائيل تعارض انسحاب الولايات المتحدة من شمال – شرق سوريا. إنهم يريدون أن تنتزع الولايات المتحدة تنازلات من تركيا بشأن نزع السلاح قبل مغادرة أي قوات أمريكية الأراضي السورية”.
قال مسؤول في المنطقة للموقع إن القيادة المركزية الأمريكية تشعر بالإحباط المتزايد من قوات سوريا الديمقراطية لأنها لم تتحرك بالسرعة الكافية لدمج قواتها في قوات الحكومة في دمشق
وقال مسؤول في المنطقة للموقع إن القيادة المركزية الأمريكية تشعر بالإحباط المتزايد من قوات سوريا الديمقراطية لأنها لم تتحرك بالسرعة الكافية لدمج قواتها في قوات الحكومة في دمشق. وتحدث المسؤول للموقع قائلا إن “تخفيض عدد القوات الأمريكية هو بمثابة تحذير لقوات سوريا الديمقراطية ولأنها لم تحقق التقدم الكافي مع دمشق وأن الولايات المتحدة جادة بشأن هذا التحول”.
وفي الشهر الماضي، وقعت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، اتفاقية مع الحكومة السورية تهدف إلى دمج مؤسساتها المدنية والعسكرية في الدولة الجديدة. ويقود الحكومة السورية الجديدة الرئيس المؤقت أحمد الشرع، الذي أطاحت جماعته الإسلامية، هيئة تحرير الشام، بحكومة بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر.
ويقول تشارلس ليستر، الزميل في معهد الشرق الأوسط إن خطة الولايات المتحدة تشمل على مساعدة انسحاب قوات سوريا الديمقراطية من شرق مدينة حلب وسحب القوات الأمريكية أولا من المناطق القبلية العربية في دير الزور. وقال إن “دمج قوات سوريا الديمقراطية في سوريا هي أولوية قصوى” للولايات المتحدة، مضيفا “سيتم دمج شرق سوريا أولا”.
وقالت وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاغون إنها تجري “عملية محسوبة ومدروسة” لتخفيض عدد القوات الأمريكية إلى أقل من شهر في الأشهر المقبلة. وقالت البنتاغون في كانون الأول/ديسمبر إن لديها حوالي 2,000 جندي في شمال- شرق البلاد. وقبل شهر من دخول ترامب البيت الأبيض، وضع الإعلان المفاجئ الوجود العسكري الأمريكي عند ضعف ما أعلنه البنتاغون سابقا.
وأرسلت واشنطن القوات الأمريكية إلى سوريا لأول مرة في عام 2014 لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية وتعاونت مع قوات سوريا الديمقراطية، التي لا تزال تحرس آلاف سجناء التنظيم وأفراد عائلاتهم في مخيم الهول.
وكان دعم واشنطن لقوات سوريا الديمقراطية نقطة خلاف طويلة الأمد في العلاقات مع تركيا، حليفة الناتو، التي تعتبر قوات سوريا الديمقراطية امتدادا لحزب العمال الكردستاني، بي كي كي، المحظور والذي شن حرب عصابات استمرت لعقود في جنوب تركيا، وتصنفه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية.
وأدى القلق من وجود بي كي كي على حدودها الجنوبية إلى توغل تركي في داخل سوريا عام 2016، لمنع المقاتلين الأكراد من إنشاء امتداد متواصل على الحدود التركية، ثم شنت تركيا حملتين اخرتين في عام 2018 و 2019.
وبعد انهيار نظام الأسد، برزت أنقرة كقوة خارجية قوية في سوريا، حيث تتنافس مع إسرائيل على التأثير. وأرسلت الأخيرة قواتها لاحتلال جزء من جنوب غرب سوريا بعد الإطاحة بالأسد، وشنت غارات جوية منتظمة. وفي وقت سابق من هذا الشهر، شنت إسرائيل ضربات في سوريا استهدفت قاعدة التياس الجوية، والمعروفة أيضا بقاعدة تي4 حيث كانت تركيا تخطط لنشر قوات هناك. ووقعت هذه الضربات في الوقت الذي كانت فيه أنقرة تستعد لإرسال فريق فني لتفقد قاعدة تي 4 وإجراء تقييم أولي لإعادة إعمارها.
وتجري سوريا وتركيا محادثات بشأن اتفاقية دفاعية من شأنها أن تتيح لتركيا توفير غطاء جوي وحماية عسكرية للحكومة السورية الجديدة.
وأثار التنافس بين تركيا وإسرائيل في سوريا قلق إدارة ترامب، التي لا ترغب بالتورط في صراع جديد في الشرق الأوسط. وكان الموقع أول من نشر تقريرا حول محادثات تركية- إسرائيلية لخفض التوتر، وبتشجيع أمريكي. ومع ذلك، صرح مسؤول أمريكي حالي وآخر سابق لميدل إيست آي بأن إسرائيل واصلت الضغط على إدارة ترامب للحفاظ على جنود أمريكيين في شمال – شرق سوريا في محاولة للحد من نفوذ تركيا.
إلا أن ترامب كان أكثر انفتاحا للاعتراف بمجال نفوذ تركي في سوريا. وقال ترامب في اجتماع هذا الشهر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: “لدي علاقات ممتازة مع رجلٍ يدعى [الرئيس التركي رجب طيب] أردوغان” وأضاف مخاطبا نتنياهو: “أعتقد أنني أستطيع حل أي مشكلة لديك مع تركيا طالما كنت متعقلا، أعتقد أنه يجب عليك أن تكون متعقلا”.
إلا أن ليستر قال للموقع إن النهج الأمريكي “تجاه المخاوف الأمنية الإسرائيلية متوزع بين “القيادة المركزية الأمريكية، التي حثت إسرائيل على خفض التصعيد والبيت الأبيض، الذي انحاز إلى موقف إسرائيل العدائي تجاه سوريا”.
رغم دعوات وزير الخارجية الإسرائيلي لدعم الأكراد، لم يبد الجيش وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية اهتماما يذكر بتسليح الأكراد أو ملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة
ويقول محللون إن دمج قوات سوريا الديمقراطية تعتبر أولوية رئيسية للحكومة السورية وأنقرة. وقد اتخذت حكومة الشرع بعض الخطوات لإثبات أنها تعالج المخاوف المؤيدة لإسرائيل. على سبيل المثال، اعتقلت دمشق يوم الثلاثاء اثنين من كبار مسؤولي حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، في خطوة، وصفها مسؤول أمريكي لموقع “ميدل إيست آي”، بأنها تهدف إلى إظهار قدرات دمشق.
وقال المسؤول الأمريكي: “يقع على عاتق حكام سوريا الجدد عبء إثبات قدرتهم على معالجة المخاوف الأمنية الأمريكية والإسرائيلية في ظل الانسحاب الأمريكي، عليهم أن يبادروا إذا أرادوا الاندماج في المنطقة”. ويشكل مقاتلو حماية الشعب الكردي نسبة المقاتلين في قوات سوريا الديمقراطية. وإلى جانب تعرضهم لضغوط جراء الانسحاب الأمريكي، يواجهون دعوات لنزع سلاحهم من داخل تركيا. وأطلق زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان دعوة تاريخية في شباط/فبراير، من سجنه للمقاتلين الأكراد لنزع سلاحهم وتفكيك صفوفهم في إطار جهود السلام مع تركيا. إلا أن مظلوم عبدي، القائد الأعلى لقوات سوريا الديمقراطية أن دعوة أوجلان لا تنطبق على قواته رغم الصلة المباشرة بين وحدات حماية الشعب وأوجلان.
وفي ضوء انسحاب القوات الأمريكية وزيادة تركيا دعمها لدمشق، ليس من الواضح ما هي السبل الأخرى المتاحة لقوات سوريا الديمقراطية. وأجرى عبدي ومسؤولون كبار آخرون في شمال -شرق سوريا محادثات مع إسرائيل لحشد الدعم، وفقا لما ذكره المسؤول الإقليمي لموقع ميدل إيست آي. ورغم دعوات وزير الخارجية الإسرائيلي لدعم الأكراد، لم يبد الجيش وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية اهتماما يذكر بتسليح الأكراد أو ملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة.